بناء الانسان أو الانهيار

آراء 2019/07/27
...

سالم مشكور
 
إهانة الانسان العراقي وهدر كرامته، سياسة اتبعتها أنظمة حكم توالت على العراق، حتى باتت “خُلقاً” ومنهجاً نزل الى المستويات الدنيا، ليمارسها الناس ضد بعضهم بمجرد توفر فرصة.
دون تنظير وكلام في العموميات، يكفي أن تراجع دائرة حكومية لتقف على هذه الحقيقة. المواطنون اللاهثون وراء انجاز معاملاتهم يتعرضون للإهانة وسحق الكرامة بشكل واضح.
 الموظف يتلذذ في عرقلة معاملة المراجع أو إيجاد عوائق لإنجازها، ينظر الى المراجع باستعلاء وكأنه يمنّ عليه عندما ينجز له ما يعد من أبسط حقوقه،
 بل أن بعض المعاملات تتعلق بأداء المواطن لحق عام وليس لكسب حق شخصي، وكثيراً ما تسمع صراخ مراجع: “يا عمي أريد أسدد ما عليّ من مستحقات لكنهم طلّعوا روحي” .مسؤول الدائرة يترأس عملية الاذلال بعدم متابعة أداء الموظف، أو معاقبته إذا قصّر في خدمة المراجع، ولا يكلف نفسه توفير ظروف “بشرية” للمراجع، بل يترك الطوابير أمام شبابيك الإذلال تحت الشمس المحرقة أو داخل أماكن تخلو من وسائل التبريد، في هذا الصيف اللاهب. 
أغلب المعاملات تدور في حلقات مفرغة غالباً ما لا تنتهي بنتيجة وإن انتهت فبعد طول عناء. تضارب القوانين والتعليمات وغباء بعضها، وتعسّف الموظف ومزاجيته في التطبيق يجعل من المستحيل انجاز كثير من المعاملات التي لا يستغرق إنجازها في دول قريبة منّا (حتى لا نقول الغرب) سوى دقائق خلف الكومبيوتر أو بواسطة جهاز الهاتف الذكي، بكرامة محفوظة ورأس مرفوع. 
هذا الواقع يوفر الفرصة لنمو الفساد وتفشيه، من خلال توسع مساحة عمل المعقّبين والسماسرة المتعاونين مع موظفين يعرقلون انجاز معاملات المراجعين مباشرة. عندما بوشر بالخطوات الأولى نحو حكومة الكترونية في عهد الحكومة السابقة، تضافرت جهود عصابات الفساد من معقّبين وموظفين متعاونين معهم على إفشالها لتبقى مصالح هؤلاء القائمة على ابتزاز المواطن وسحق كرامته.
 والغريب أنك قد تجد المواطن الشاكي نفسه من عرقلة انجاز معاملته، يمارس السلوك ذاته في مكان عمله فيتهرب من انجاز ما يناط به من عمل عام أو يعرقل معاملة مواطن لاهث وراء حق بسيط له.عندما يتحول الظلم وانتهاك الكرامة وعرقلة الإنجاز والتعدي على المال العام، الى “خلق” عام وفي كل المستويات، وفي مجتمع يتحدث أغلب أفراده، وبجميع مستوياتهم، بشعارات الدين والوطنية والنزاهة، فأعلم أنك في مجتمع منافق لن يتقدم سوى الى مزيد من الانهيار. الإنقاذ يبدأ من إعادة بناء الانسان.