صالح الشيخ خلف
في لقاء جمعني مع احدى الشخصيات العراقية بشأن اهمية الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي لطهران الاسبوع الماضي تحدثت هذه الشخصية بكلام غير دقيق عندما قال :ان عبد المهدي حمل رسالة قلق من بريطانيا بشأن احتجاز الناقلة البريطانية في مضيق هرمز من قبل السلطات الايرانية . فهمت بعدها ان مهمة هذه الشخصية ليس التنكيل بشخصية عبد المهدي وليس العلاقات التي تربط الحكومة العراقية بدول الجوار بقدر ماهي استخفاف بالدور العراقي ومصداقية النظام السياسي الجديد في العراق . قلت له :ان عبد المهدي لم يكن ساعي بريد ولم يكن يحمل رسالة بريطانية او اوروبية وانما حمل رسالة عراقية وتصورا عراقيا بشأن التطورات التي تمر بها المنطقة .
ربما كانت الزيارة التي قامت بها منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي فديريكا موغيريني لبغداد ولقاؤها مع كبار المسؤولين العراقيين ومن ظمنهم عبد المهدي قد عكست قلق الاوروبيين من التصعيد في المنطقة الخليجية لكن العراق باعتباره دولة تصدر نفطها عبر هذه المياه وتحديدا مضيق هرمز فانها قلقة ايضا من تصاعد حدة التوتر في المنطقة . ومن الطبيعي جدا ان ينعكس الامر عليه خصوصا في ظل الدعوة التي تقودها الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي يدعو لتامين سلامة حركة الملاحة في هذه المنطقة ومايرافقها من جهود اوربية لتشكيل قوة اوروبية لتامين هذه السلامة .
زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي يوم السبت الماضي لطهران يجب ان تفسر في ذات الاطار وهو مايعكس قلق دول المنطقة من هذه التطورات .الوفود التي تزور ايران تسمع من المسوولين كلاما موحدا وهو ان طهران لاتريد العناد مع اي طرف من الاطراف بما في ذلك الولايات المتحدة ، كما انها لاتريد التصعيد في المنطقة وهي راغبة في تسوية الاوضاع بما يخدم مصالح جميع الاطراف ، بمعنى ان تكون مخرجات هذه التسويات على اساس رابح رابح بالشكل الذي يتم الحفاظ على مصالح جميع الاطراف المحلية والاقليمية والدولية .
وتسمع ايضا ان اي خطوة تصعيدية يجب ألاتكون دون ضريبة تدفعها الجهة التي تقدم عليها . وبعبارة ادق ، لايمكن لدولة من الدول ان تمارس حركة استفزازية وتكون في منأى عن تداعياتها واثارها السياسية والامنية والاقتصادية . وعملية احتجاز الناقلة البريطانية من قبل البحرية الايرانية بالقرب من مضيق هرمز استندت الى هذه النظرية .
ومما لاشك فيه ، ان البريطانيين لم يقولوا الحقيقة عندما قالوا ان احتجاز الناقلة الايرانية في المياه الدولية لمضيق جبل طارق كان على خلفية قوانين الاتحاد الاوروبي بمنع ارسال النفط لسوريا ، كما ان الايرانيين لم يقولوا الحقيقة عندما قالوا ان الباخرة البريطانية خالفت قوانين السلامة البحرية . ان الحادثتين ارتبطتا بالضغوط التي تمارسها الادارة الاميركية على الاسرة الدولية او على من يستجيب من الدول لهذه الضغوط من اجل احراج طهران واجبارها الجلوس على طاولة مفاوضات على المقاسات الاميركية وتحديدا على تلك المقاسات التي وضعها مستشار الامن القومي الاميركي جان بولتون .
طهران تعلم ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب لايملك الوقت الكافي من اجل لملمة اوراقه المبعثرة للدخول بها في الانتخابات الرئاسية مطلع العام القادم ، وليس امامه سوى اشهر معدودة لاتتجاوز اصابع اليد الواحدة من اجل تركيع الولد العاق في منطقة الشرق الاوسط . وهي تعلم ان هذا الولد افسد عليها طرح « صفقة القرن » الذي اراد لها ان تكون احدى الاوراق الرابحة وقد راى كيف ان قادة حركة حماس حجوا الى طهران الاسبوع الماضي واجتمعوا مع مرشدها الاعلى ليتم التاكيد على اعادة صياغة العلاقة بين الجانبين التي تاثرت بالتطورات السورية خلال السنوات الخمس الماضية .
لقد بات من الواضح ان الانسحاب الاميركي من الاتفاق النووي تسبب في العديد من الازمات والتوتر كان من الممكن لها ان لاتقع ، لكن اصرار الادارة على تركيع طهران والضغط عليها لتقديم المزيد من التنازلات وضع الجميع في الزاوية الحرجة .
وعندما يقول القادة الايرانيون ان مايحدث في المنطقة هو « صراع ارادات » فهم يعنون مايقولون . ارادة تريد الهيمنة على المنطقة بما يحقق المصالح الاسرائيلية – وهي جوهر مشكلة الشرق الاوسط – وارادة اخرى تقول ان دول المنطقة لها مصالح ومن حقها الحفاظ على هذه المصالح بما يحقق امنها واستقرارها .