بين سَيْفين !

آراء 2019/07/28
...

 طالب جبار الأحمد
 

قالت لي إحدى المديرات في مؤسسة أهلية : بعد فتح المنطقة الخضراء أمام عامة الناس كسبت مزيداً من الوقت بدلاً عن إهداره في الزحام والطرق البديلة سابقا، كنت أهدر نحو ساعة من الوقت ..تصوّر!.
الموظفة المثابرة اعتبرت أن كسب ساعة من الزمن أمر مهم  لكل الناس لاسيما الموظفين والطلبة، وهذا إنجاز يُحسب لحكومة عادل عبد المهدي حيث سيسهم في تعميق الوعي الاجتماعي بأهمية عنصر الوقت في مرحلة إعادة بناء الدولة.
سررت كثيرا لوجود موظفة حريصة على الوقت وتعمل على استثماره إلى أقصى حد ممكن بدلا عن تضييعه في التشكي وإيهام الذات بوجود مبررات للعجز عن تحقيق إنجاز، وأشاركها الرأي بشأن أهمية الزمن كقيمة حضارية، فالبلدان المتحضرة تتميز عن سواها باحترام الوقت وتنظيمه في كل شؤون الحياة.
وفضلاً عما تركه فتح المنطقة الخضراء من أثر إيجابي في إنسيابية حركة السير في بغداد وكذلك على المزاج الشعبي العام، فهناك رمزية ثقافية لهذه الخطوة لما تثيره في اللاوعي الجمعي العراقي من تداعيات، وهذا هو الأهم في تقديري.
على أن أكثر ما يؤلمني هو أن اسمع آراءً من البعض تقلل من شأن هذه الخطوة وتصفها بأنها مجرد إجراء حكومي لتقليل الزحام في عاصمتنا الحبيبة، فهل نسيّ هؤلاء ما كانت ترمز إليه المنطقة الرئاسية (الخضراء) قبل ٢٠٠٣؟، وكيف كان مجرد المرور اضطراراً بالقرب منها يثير الخوف والرعب من أمن ومخابرات النظام السابق؟.
بالنسبة لي ستبقى سنوات الرعب تلك تلهب ذاكرتي بالحسرة على زمن لم يكن جميلا بالمرة.. وكلما مررت هذه الأيام 
بالقصور الرئاسية وساحة الاحتفالات في (المنطقة الخضراء) تذكرت حقبة القسوة والوحشية وشهوة الدم اللامتناهية.. أمعن النظر في كفيّ صدام البرونزيتين اللتين قام النحاتون بتكبيرهما مئات المرات لتصبحان كفيّن أسطوريتين للبطش تمسكان بسيفين يخنقان بلاد الرافدين..أراد صدام يومها إحضار مئات الآلاف من جماجم ضحايا جنونه وحروبه العبثية ووضعها بطريقة ( فنية ) تحت كل كف يميناً ويساراً في ساحة الاحتفالات لإرهاب 
العراق وأجياله على مر الزمن..أخبره النحاتون باستحالة ذلك..وربما كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي استمع فيها إلى رأي آخر !.
اشاهد آلاف الناس تمر يوميا بسياراتها الخاصة من جنب السيفين..وأتساءل في سري: هل باتوا يدركون رمزية سقوطهما السياسي المدوّي..وهل يشعرون بالنعمة التي جلبتها تضحيات الشهداء  للنجاة منهما؟.
لحسن الحظ  لم يتم تدمير نصب السيفين بعد انطلاق مارد الحرية عام 2003، فالكثير مما يرمز إلى العهد السابق ودمويته يجب أن يبقى شاخصاً للعيان حتى نعتبر من تأريخنا المعاصر،.. نعم نريد أن نتجاوز جروح الماضي وآلامه وأن نسامح بروح جديدة، لكن لا ينبغي أن ننسى الأهوال التي جرت علينا قبل أن تدخل البلاد مخاض التغيير بين زمنين، فالشعوب الحية لن تُصاب بداء النسيان أبداً.