ساطع راجي
ل أزعجتك صور الهياكل العظمية للإطفال والنساء المدفونين جماعيا بعد اعدامهم في صحراء السماوة؟! هل نغصت عليك رحلاتك بين القنوات لتلتقط ماهو ممتع او مستفز او جديد؟!، من أجل سلامتك ولطمئنة روحك إلتفت حولك جيدا
وتنبه ربما احد المشاركين في حفلة الاعدام تلك قريب منك الآن أو لعله من أقربائك وربما كان احد المشاركين في الحملة او
المتعاونين مع منفذيها هو اليوم يمثلك اجتماعيا او سياسيا، قد يكون شيخ عشيرتك او عضوا في حزب تحبه، وأيا كانت قوميتك أو طائفتك لا تستبعد صلة ما لمن يحيط بك بالمذبحة هذه
أو بمذابح أخرى، لأن هذه المذابح إحتاجت عددا كبيرا من البشر لتنفيذها ومن مختلف المناطق.
هل يزعجك عدم تضامن الناس معك وانت تبحث عن وظيفة لإبنك فلا تجدها؟! هل تشعر بإنك وحيد وأنت تطالب بما تظنه عدالة لإطلاق سراح إبنك المعتقل؟!! هل تشعر بالغضب لإن ولدك الساقط في الامتحان لن يجد فرصة لإنقاذ مستقبله؟! هل أنت متألم لإن اطفالك ينامون بصعوبة لعدم توفر الكهرباء؟! هل انت محروق الاعصاب من أجل أطفالك الذين تخاف على مستقبلهم ولا أحد يساعدك في ضمان هذا المستقبل؟!، الأم الممدة الى جوار طفلها وهما بجمجمتين مهشمتين مدفونين في صحراء السماوة التي تبعد مئات الكيلومترات عن بيتهما كانت تشعر بكل هذا وأكثر لكنك لم تنتبه لها ولا لدقيقة واحدة، ولذلك لن ينتبه لآلامك أحد.
بحثت لساعات عن صدى اكتشاف المقبرة المأساة في وسائل الاعلام التي وجدتها تنعى موتى آخرين إلا ضحايا المقبرة رغم انها تنشر الخبر لملء فراغها، حتى برامج التاسعة اليومية التي تلاحق أي بيان أجوف يصدره سياسي مهرج لإخراج حلقاتها اليومية لم تهتم بالحدث المأساوي الذي لم يتصدر أيضا صفحات الجرائد ولا دبجت عنه المقالات، مدمنو الفيسبوك لم يمنحوا مقبرة السماوة الجماعية الجديدة ربع اهتمامهم بأي من مسلسلات رمضان التافهة، ومن كتب منشورا للإدانة وجد عشرات الدبابير التي تلسعه بسمها
المركز بشأن سلبيات الحاضر وكوارثه وتفتح باب المقارنة الرثة بين اليوم والأمس في حوار الغربان السود الممل، وكأن ارتكاب جريمة او خطأ في يومنا يمحو بالضرورة جريمة الأمس، ولو اعتمدنا هذا الاساس لما وجدنا أمة واحدة تستذكر ضحايا
جرائمها.
استغربت من التنديد البرلماني بالتجاهل الخارجي لمأساة المقبرة التي فتحت يوم الثلاثاء 23 تموز، وكأن الداخل لم يتجاهل هذه المأساة التي لم يندد بها المسارعون لإصدار التعازي والتهاني في مآسي واحتفالات البلدان والشعوب الاخرى وخلت صفحاتهم من بيان أو إشارة مما يشبه تلك التي استخدموها ايام حريق كنيسة نوتردام مثلا، ولم يكتب شعراؤهم ومدونوهم شيئا ولا طفح واحد من هاشتاكتهم على الجدار الازرق، ربما لإنهم لا يريدون تعكير المزاج الصيفي الرايق.
المثقفون الانسانيون، الانسانيون جدا، لم يهتموا كثيرا بالكارثة ربما لإنهم لايتحملون تأمل صور الجثث او لإن شبكة علاقاتهم لاتسمح لهم بذلك، ربما لا يريدون تغيير نمط شكواهم وآلامهم، معظم الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني تجاهلت الحدث، باختصار نحن أمام بلادة عامة، أهم من عززها هم أولئك الذين يسيسون كل مأساة ويجعلون منها مادة للدعاية الحزبية والتحريض، ومنتجو البرامج السيئة التي تتحدث عن الماضي باستسهال، وأيضا أولئك الذين كلما اكتشفنا كارثة طالبوا برصد أموال للتعويضات وكأن المال يمحو الكارثة ويزيل الفاجعة!.
من السهل جدا التخلص من المسؤولية عن كل المقابر الجماعية واسنادها فقط الى رأس النظام السابق المعدوم، لكن الاختلالات الاخلاقية والسياسية لرأس النظام من الواضح إنها كانت ومازالت اختلالات عامة ومتفشية في المجتمع، وهذا سبب التجاهل للجرائم، إذ هناك العشرات وربما المئات ممن أشاروا وطلبوا بتنفيذ
المذابح وساهموا بدرجات وأشكال متنوعة في التنفيذ والتستر والتجاهل، هؤلاء من كل الفئات والمستويات والقوميات
والطوائف والمناطق والعشائر العراقية ولم يشعر حتى الآن واحد منهم بالعار أو الإثم، بل بينهم من استغل الملابسات وتقدم كضحية ليستحق التعويض والتكريم، ولأن المجتمع ككيان كامل تجاهل المذابح والاعتداءات على الاطفال والابرياء، استمرت المذابح والمقابر الجماعية الى يومنا هذا بمختلف المسميات والشعارات وستستمر الى اليوم الذي يحاصر فيه المجتمع منفذيها ويرفضهم وإلا فإن الذباحين سيبقون أبرياء بينما نتهم الضحايا بإنهم
مزعجون.