نسب النجاح وأخرى

آراء 2019/07/30
...

د. مزهر جاسم الساعدي 
ليس مهم عندي ان كانت نسب نجاح التلاميذ والطلبة متقدمة او متدنية لهذا العام او للاعوام السابقة في المراحل المنتهية او غير المنتهية، لاني وكما غيري الكثير يعلم ان هذه النسب التي تعلن عنها وزارة التربية تتداخل في صنعها عوامل كثيرة تختلف من منطقة الى اخرى فضلا عن اختلافها من محافظة الى اخرى
كذلك ، ولا اجد مسوغا في القاء اللوم على طرف من دون غيره وتحميله تبعات تلك النسب لاسيما منها النسب المتدنية لبعض المديريات والمدارس، لكن الامر الاهم الذي علينا ان نقرأه ونبحث فيه هي المرتكزات العامة لنظامنا التربوي الذي افضى الى تلك النتائج .
ان النظام التربوي الذي يجعل شغله الشاغل كيفية تعليم التلاميذ ما يلقى عليهم داخل غرفة الصف ومن ثم اجتراره عبر الدفتر الامتحاني في نهاية العام الدراسي لا يمكن له ان يحقق اهدافه التي يصبو اليها ، لانه بصنيعه هذا يقدم انموذجا تكراريا لتعليم قد عفى عليه الزمن يلخصه احد المربين (بابلو فيريري) بكونه تعليما بنكيا يتصف بعدم تراكم المعرفة عند التلميذ او الطالب وسهولة فقدانها عند عتبة قاعة الامتحان ، ولعل هذا التوصيف دقيق جدا لما نراه من تغيرات تطرأ على نفسية التلميذ والطالب خلال ايام الامتحانات وبخاصة الوزارية منها ، اذ يصبح جل همه ان يعيد البضاعة التي استودعت عنده خلال السنة الدراسية من دون تلف او عطب على الرغم من صعوبة تخزينها والاجواء غير الملائمة لذلك التخزين( الظروف الاجتماعية والبيئية للتلميذ والطالب) فضلا عن تفاوت قدرة العاملين على التخزين او الناقلين لتلك البضاعة ( قيادات تربوية – ادارات مدرسية – معلمون ومدرسون)، وهذا بدوره يجعلنا امام تساؤل كبير وخطير يمكن لنا من خلاله أن نتلمس مواطن الخلل :
هل نريد من التلميذ او الطالب ان يعيد الينا البضاعة (المادة الدراسية ) من دون معرفة اهمية تلك البضاعة ولماذا تم تكليفه بحفظها من دون غيره ؟
 او نريد من التلميذ والطالب معرفة محتويات تلك البضاعة (المادة الدراسية ) فضلا عن ايجاد الطرائق المناسبة لحفظها وترتيبها واعادة تشكيلها في ذاكرته بكونه المعني بهذا الحفظ فضلا عن امكانية نقلها من مكان الى مكان اخر بحسب اجتهاده وتحليله لمكونات تلك البضاعة ؟
في الصورة الاولى وكما هو الحال في نظامنا التربوي ستكون الاضرار بالغة وتبعات تلك الاضرار مكلفة لانها ستاكل من جرفها يوما بعد آخر حتى تصل النوبة الى انهيار ما تبقى من الجرف .
اما الحالة الثانية فتتطلب المزيد من العمل الجاد والرصين مع امكانية تحقيق الآتي :
اعادة النظر في معدلات الطلبة المزمع قبولهم في الجامعات التربوية ورفع سقف تلك المعدلات الى اقصى حد ممكن بعكس الحال الذي نحن عليه اذ ان سلم اولويات القبول تعطى لكليات اخرى كالقانون والادارة والاقتصاد ومن ثم تأتي المعدلات الهابطة لتقبل في الكليات التربوية .
اعادة النظر في مناهج الكليات التربوية بما يضمن تخريج معلم ومدرس قادر على البحث و الابتكار ومواكبة التطور الحاصل في طرائق التدريس الحديثة. 
  اعادة النظر في مدة التطبيقات العملية للطلبة الخريجين اذ ان العمل الميداني الجاد بامكانه الكشف عن الثغرات النظرية وكيفية علاجها .
البحث الجاد عن اليات جديدة للتعين في وظيفة معلم او مدرس فضلا عن آليات توزيعهم بما يضمن العدالة التربوية ، اذ ان حصول المتخرجين من الكليات التربوية على الشهادة الجامعية لايعني بالضرورة انهم قد توافروا على الكفايات العملية اللازمة لنجاح مهمتهم الميدانية ، وهذا بدورة يحتاج الى آليات جديدة غير الاليات المعتمدة التي ألقت بظلالها على الواقع التربوي بشكل عام .
اعادة النظر في منهجية صياغة الاسئلة الامتحانية وكيفية اعمال عقل التلميذ والطالب فيها من خلال الفهم والتحليل والتعليل والتركيب واعادة التركيب والتصويب والاستنتاج بدلا من صيغتها الحالية .
 العمل على ايجاد طرائق جديدة في اختيار الادارات المدرسية وكيفية تطويرها فضلا عن متابعتها بما يحقق وجود ادارة متمكنة قادرة على النهوض بمدارسها في الظروف الاستثنائية .
اعادة البريق للعمل الاشرافي وآليات اختيار المشرفين واعطائهم الصلاحيات اللازمة التي سلبت منهم عنوة حتى صار دورهم هامشيا من خلال اعتماده على انواع اشرافية قد اثبتت التجربة فشلها .
ابتكار آليات ادارية جديدة تضمن توفير متطلبات المدارس البشرية والمادية ضمن الرقعة الجغرافية الواحدة وكيفية ادارتها بما يضمن تفرغ المديريات والجهات العليا الى المتابعة والابتكار بدلا من الانشغال بالاطنان الورقية التي تملأ حقائب المكلفين بادارتها يوميا .  
ان معالجة القضايا المذكورة في اعلاه لاتعني اغفال ما للمناهج الدراسية والابنية المدرسية والقيادات التربوية وما لها من دور في ما وصل اليه النظام التربوي في العراق لكني اثرت عدم الحديث عنها بكونها قد اخذت المساحة الكافية من التغطية والحديث عنها مرارا وتكرارا. 
من المؤكد اننا وعبر السنوات المنصرمة (نهب هبة كبيرة ) تستمر لمدة اسبوع  او اكثر نثير فيها تدني الوضع التربوي ونحمل هذا الطرف او ذاك المسؤولية، لكننا سرعان ما نعود ونمارس ذات الاخطاء التي تحدثنا عنها في (هباتنا المستمرة ) وهذا بدوره يكشف عن حقيقة المازق التربوي.