محنة المهاجرين.. وأوهام البحث عن الحرية

آراء 2019/07/30
...

علي حسن الفواز
الهجرة الى المجهول أو الذهاب الى الحلم رهانان مفارقان، لكنهما فاضحان للجرح الانساني، ولطبائع السياسة التي تحكم العالم، فالموتى الذين تأخذهم مياه البحار في هجراتهم غير الشرعية يكشفون عن تشوهات تلك السياسة وعن حجم معاناة شعوب بأكلمها من الظلم والقهر والاستبداد.
تحول المهاجرين الى لاجئين ليس تحولا مفهوميا او لسانيا، بقدر ماهو تحول حقوقي، وسياسي، له انعكاساته الخطيرة على المجتمعات، وعلى تفتت ثقافاتها وهوياتها، لأن الهجرة القهرية أو حتى اللجوء بدلالاته السياسية أو الثقافية يعني وجود ظروف غير قابلة للاحتمال، أو ضغوطات امنية أو معيشية تُجبر الناس على خيارات الهجرة او اللجوء بحثا عن أفق آخر للحياة.
قد تكون(اللجوءات السياسية) الى دول الغرب والى الولايات المتحدة ليست جديدة، فالبحث عن فرص العمل قد يكون هو الهاجس الكبير لها، أو  البحث عن هامش انساني للحرية، لاسيما أن دساتير هذه الدول تسمح بتنظيم هذه(اللجوءات) بوصفها ممارسة حقوقية، فضلا عن أن اغلب المؤطّرين بهذه اللجوءات لهم معاناتهم السياسية أو الحقوقية في بلدانهم المحكومة بأنظمة استبدادية، لكن تحوّل هذا الموضوع الى ظاهرة(شعبوية) والى هجرات جماعية، هو ما أثار جدلا واسعا، وكشف عن معطيات وصراعات وحروب وأزمات اقتصادية تعيشها بلدان كثيرة في افريقيا وفي آسيا وفي امريكا اللاتينية، على مستوى تورط الأنظمة السياسية فيها، أو على مستوى غياب الأطر الحقوقية والاجتماعية في هذه الانظمة، أو على مستوى الغياب الكامل للحريات ولفرص العمل والضمان الصحي وغيرها.
 
أوهام الحرية ومراثي الربيع العربي
منذ احداث الربيع العربي وانهيار حلم الحرية في شعاراتها وموضوع اللاجئين والمهاجرين يتواتر ويتضخم، فالمئات منهم قد فُقدوا أو غرقوا في البحار، بسبب ضعف السيطرة على هذه الهجرات، واستغلالها من قبل تجار الموت، فضلا عن ضعف الاجراءات الامنية، وحتى اللوجستية التي تقوم بها البلدان الاوروبية، التي عمدت الى وضع اجراءات صارمة حول استقبال اللاجئين والتعامل مع قضاياهم بوصفها قضايا حقوقية وإنسانية.
محنة الربيع العربي، لم تعد عربية، وشعارات الحرية وتأمين العدالة الاجتماعية فقدت قيمتها، وعادت اشكال الاستبداد الى رعبها القديم، فضلا عن تضخم ظواهر الارهاب والتكفير والعنف الاهلي والصراعات الطائفية، والتي افقدت كثير من المجتمعات أمنها الاجتماعي، وصار البحث عن اللجوء أو الهجرة الى المجهول نوعا من الحل، إن كان في دول الشرق، أو في دول امريكا الجنوبية، رغم أن هناك فارقا مفهوميا بين اللجوء والهجرة، لكن واقع الحال في دول الربيع العربي وغيرها اسهم في هذا الخلط المفاهيمي والواقعي، وليجد الشباب وهُم الشريحة الأكثر اندفاعا لمغامرة الهجرة أنفسهم امام البحث عن أفق غامض للحياة، ولمواجهة تحديات الهجرة ومكارهها وظروفها الصعبة والمعقدة.
غياب المعالجات الحقوقية والتنظيمية لهذه الظاهرة، أسهم الى حد كبير في تضخيمها، وفي قيام بعض الدول الاوروبية باجراءات فردية، وعبر سياسات رفض الهجرات الجماعية، ولأسباب سياسية وامنية وثقافية، ولربط بعض مظاهر الهجرة بالخوف من الارهاب، وهي يافطة عمومية فرضت نفسها على واقع تلك الدول، واللجوء الى معالجات قسرية مثل الضغط على دول المعابر، ووضع اللاجئين في مخيمات تفتقر الى ابسط شروط الرعاية الصحية والانسانية.
 
عنف الملاجئ والهجرات   
قد يكون السؤال عن علاقة(العنف) بالمهاجر أمراً واردا، لكن البحث عن اسباب ذلك، أمرٌ وارد أيضا، لأن مايتعرض له اللاجئون في بلدانهم وفي ظروف هجراتهم، وفي مخيمات اللجوء، أو حتى في بعض البلدان التي تقبل باستضافة بعضهم، سيكون عاملا مساعدا في صناعة(شخصيات عنفية) إن كانت في اوروبا أو في غيرها، وهذه الشخصيات العنفية ستتحول الى مجال ثقافي واجتماعي لتسويق ثقافة كراهية الاخر، وفي تبرير تسويق خطاب العنف.
غياب المعالجات والمواقف الدولية الواضحة يحمل في طياته بُعدا سياسيا وثقافيا، ولاغراض تدخل في اطار الضغط الدولي على هذه الدولة او تلك، او ربما استغلالها من قبل البعض للحصول على دعم دولي مالي أو سياسي، لكن خطورة هذا الغياب تكمن في عدم وضعها على طاولة الحوار الدولي في مجلس الامن، بغية التعرّف على اسبابها، واتخاذ الاجراءات المناسبة، على مستوى المعالجة السياسية أو الحقوقية، أو على مستوى معالجة ازمات البيئات السياسية في البلدان الفقيرة، وذات الحكومات المستبدة، للحد من ظروف الفقر والاستبداد، وبالتالي تحويل قضية الهجرة من موضوع يتعلق بـ(الهروب) الجماعي الى موضوع حقوقي وانساني وثقافي قابل للمعالجة السياسية والاقتصادية، وعلى وفق قرارات تضعها الهيئات الدولية بعيدا عن الحسابات والمصالح.
إنّ تحوّل هذه الأزمة الى مجال صراعي، صار خيارا لبعض الدول الكبرى، مثلما صار جزءا من خياراتها، ولعل من اكثر تداعياته كان الخيار البريطاني للانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وكذلك المواقف الامريكية ازاء المهاجرين الهاربين من بلدانهم(اللاتينية) بظروفها الاقتصادية الصعبة، وبظروف انظمتها السياسية المستبدة، فضلا عن استثمارها من قبل عدد من دول اوروبا، ولاغراض تدخل في سياق الصراع السياسي هنا كما هو واقع في ليبيا أو في سوريا أو في اليمن والصومال وغيرها.