السياسة حرب بوسائل غير عنفية

آراء 2019/07/30
...

عبد الحليم الرهيمي
وصف الرئيس الايراني حسن روحاني في تصريح ادلى به مؤخراً ، ان طبيعة الصراع الراهن هو حرب بين الولايات المتحدة وإيران ، حرب على مختلف الصعد الاقتصادية والاعلامية والنفسية ، وقد جاء هذا الوصف للرئيس روحاني في اطار احتدام الصراع وتبادل التصريحات والمواقف السياسية والاعلامية بين واشنطن وطهران
دلالة واهمية هذا الوصف لما يجري بأنه حرب انما يبدد ، بشكل وآخر ، حبس الانفاس الذي تعيشه شعوب ودول المنطقة والعالم منذ انسحاب الولايات المتحدة من « الاتفاق النووي « وفرض الرئيس الاميركي ترامب عقوبات اقتصادية وتجارية قاسية على ايران وهو حبس للأنفاس ناجم عن الخشية من اندلاع حرب عسكرية مدمرة حيث وصلت أحدى ذروات ذلك بأقتراب ترامب من اصدار الاوامر ببدء هذه الحرب في حزيران الماضي وتراجعه عن ذلك في الدقائق الاخيرة بذريعة واهية لم يصدقها كثيرون لكن الجميع أرتاح
 لما حصل ! 
وصف الرئيس الايراني لما يجري بأنه حرب ، اي حرب من دون استخدام القوة العسكرية لم يكن وصفاً متداولاً منذ بداية الازمة بين بلاده وواشنطن ، لكنه وصف يذكر بما ذهب إليه قبل اكثر من قرنين الجنرال والمؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز (1831-1780) الذي اعتبر من اهم المراجع الكلاسيكية في الحرب وان أفكاره تمثل حجر الزاوية في الفكر الاستراتيجي الحديث وان كتاب (عن الحرب) من أهم مؤلفاته الذي اشتهرت أطروحته القائلة (إن الحرب هي امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى ) وبترجمة اوضح : ان الحرب هي سياسة لكن بوسائل عنفّية  . ولتفسير هذه الاطروحة يضيف كلاوزفيتز ، بأن الهدف السياسي من الحرب هو جعل العدو
 ينفذ أرادته .
ويبدو ان الرئيس الايراني اراد ان يؤكد بوصفه لما يجري من صراع بمختلف المستويات مع واشنطن هو حرب ويدحض بذلك مقولة (اللاحرب واللاسلم) وهذا يعني تعبئة بلاده لما تعنيه هذه المقولة من استرخاء بينما الحرب الحقيقية قائمة من دون استخدام القوة العسكرية ذلك ان واشنطن تريد ، حسب الجنرال الاستراتيجي البروسي ، 
جعل العدو ينفذ أراداته ، وهو ما ترفضه ايران وتسعى لكسره او اضعاف هذه الارادة واعتبار ما يجري هو حرب تهدف واشنطن 
من ورائها ، ولو من دون استخدام القوة العسكرية ، الى تحقيق كل او معظم اهدافها السياسية المعلنة .
وبهذا المعنى لوصف الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وايران تبقى شعوب ودول المنطقة والعالم تحبس أنفاسها من تداعيات (السياسة الحربية) والخشية من التداعيات الأسوأ باندلاع حرب استخدام
 القوة العسكرية 
وفي ضوء ذلك يبدو الطرفان (المتحاربان) الولايات المتحدة وايران لا يريدان الحرب العسكرية ، حيث تراهن واشنطن على استمرار وتوسيع العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية على طهران ودفعها للاستجابة بكل او معظم مطالبها ، بينما تراهن إيران من جهتها على الوقت والقبول ، أخيراً ، بمبدأ التفاوض والاتفاق على تسويات يعتقد كثيرون ان الوسطاء الدوليون يمكن ان ينقلوا مضامينها الى الطرفين ودفعهم لقبول الحلول الوسط او التسويات المقبولة من الطرفين درءاً لاندلاع (سياسة الحرب) بدلاً من (حرب السياسة) القائمة الان .. فهل يتمكن الوسطاء القيام بذلك ، وهل تستجيب كل من واشنطن وطهران لما يحمل (الوسطاء) من افكار تمهد لتجاوز احتمالات اندلاع حرب عسكرية .. هذا ما سيجيب عليه القادم من الايام .. ؟!