حين كان حسن العلوي في سبعينيات القرن الماضي صحفيا كبيرا يشار له بالبنان ويرأس تحرير أهم مجلة عراقية إسبوعية آنذاك “الف باء” لم أكن حينها سوى صحفي مبتدئ يحاول أن يفك الغاز الكتابة والصحافة والنقد الأدبي وهو حقلي الأول قبل التفرغ للعمل الصحفي وأخيرا التحليل السياسي بعد انفجار الفضائيات. لم أقترب من العلوي ولا هو يعرف من هو هذا الريفي القادم الى بغداد حالما أن يصبح مشهورا. وحين غادر العلوي أوائل الثمانينات من القرن الماضي ليتحول الى معارض للنظام السابق تسللت كتبه التي حاكم فيها تلك الحقبة والحقب التي سبقتها خلسة الى الداخل لنتداولها كما لوكانت مناشير سرية.
لا أذكر السنة التي قرأت فيها كتابه الهام “الشيعة والدولة القومية” ولا السنة التي قرأت فيها كتابه الآخر “العراق .. دولة المنظمة السرية” لكن كلا الكتابين حفرا عميقا في مجال تفكيك منظومة الدولة والنظام السياسي والبنية المجتمعية خلال حقبة زمنية مهمة من تاريخ العراق. دولة المنظمة السرية تكفل بمهمة تفكيك منظومة الدولة بصرف النظر إن كانت عميقة أم ظاهرة, بينما تكفل الشيعة والدولة القومية بمهمة تفكيك البنية المجتمعية للعراق إن كان على مستوى العشيرة أو الدين أو الطائفة. وصلة ذلك بأصل النظام السياسي الذي توالى على العراق في الحقب الملكية أو الجمهورية.
مناسبة هذا الحديث الذي هو بمثابة استدراك أو لنقل استدراك بمثابة حديث هو زعل أو غضب أو عتب الأستاذ حسن العلوي على كاتب هذه السطور حيث كنت قد نشرت الأسبوع الماضي مقالا هنا في الصباح بعنوان “سواني العشيرة وإحم الدولة”. كنت في ذلك المقال أشرت الى كل من حنا بطاو وكتابه “العراق” بأجزائه الثلاثة وعلي الوردي الذي “فصخ” المجتمع العراقي عبر سلسلة كتبه, ولم أشر الى كتاب وباحثين آخرين من أمثال الأستاذ العلوي أو عبد الرزاق الحسني أو سواهم ممن كان قد أدلى بدلوه في ميداني علم الإجتماع والتاريخ أو حتى
السياسة.
وبقطع النظر إن كنت مقصرا وأعتذر إن كنت كذلك أو عن عمد وهو لم يكن كذلك فإن هدفي لم يكن بحث جوانب تلك الحقبة التي تمتد لأكثر من 8 عقود حتى سقوط النظام السابق عام 2003 بقدر ماأوردت مثالين بارزين ليسا موضع خلاف كبير بشأن الجزئية التي تتصل بالدولة والعشيرة ممثلة بالسواني عند الثانية والدستور كما يفترض عند
الأولى.
وفي الوقت الذي يستحق كل من بطاطو والوردي دراسات مفصلة ومنفصلة عن كل واحد منهما في الميدان الذي تخصص فيه, فإن العلوي هو الآخر يحتاج الى دراسة مفصلة ومنفصلة عن الميدان بل قل الميادين التي تناولها عبر حقب مختلفة من تاريخ العراق إن كان في السياسة أو التاريخ أو الأدب أو المذكرات بل حتى المقالات والأعمدة التي كان يكتبها في أهم الصحف العراقية والعربية بدءاً من “أفكار وممارسات” في الف باء في السبعينيات وانتهاء بالرسائل الصوتية التي يوجهها الآن عبر (الواتساب ) والتي نالني منها نصيب مقبول من العتب الذي كان بدرجة الغضب حين عدني بمثابة .. بروتس.