اثارت نسبة النجاح المتواضعة للدراسة المتوسطة والتي بلغت نحو (34.07 %) ، حفيظة الشارع العراقي كونها اقل نسبة نجاح في التاريخ العراقي المنظور لهذه المرحلة التي تعد اساسا للمراحل الاخرى، وكشفت عن هشاشة ملف التعليم ككل الذي هو برنامج متكامل ومتواصل من الابتدائية وصولا الى الدراسات العليا.
ولمعرفة الاسباب التي ادت الى هذه النتيجة نجد انها كثيرة وتتوزع بين البيت والمدرسة ووزارة التربية فمشكلة تدني مستوى التعليم، أصبحت متداخلة الأبعاد، ومعقدة، فمن الثابت ان المرء في مرحلة الدراسة المتوسطة يمرّ بأخطر مرحلة يمرّ بها الانسان وهي مرحلة المراهقة وتستوجب متابعة الاهل له ولكن في بعض الاحيان ونتيجة اهمال الاهل والافراط بتصفح عالم الاتصال والانترنت، غابت هذه المتابعة عن الكثير من المراهقين فانزلقوا في متاهات عالم التواصل الاجتماعي مهملين دروسهم وانشغلوا بتصفح الاجهزة التي تنقل العالم الافتراضي ومواقعه ليكون اهمال الاهل وغضّ النظر عن متابعة اولادهم السبب الاول في تردي واقع التعليم في العراق، والسبب الاخر يتعلق بوزارة التربية نفسها التي لم تخرج من شرنقة المحاصصة المقيتة التي تمأسست عليها العملية السياسية بعد التغيير النيساني، فمازالت هذه الوزارة تقبع في هامش الاهتمامات الحكومية، سواء على مستوى الموازنات الاتحادية والنسب المالية المتواضعة المرصودة لها او على مستوى تدني البنى التحية لأغلب منشآتها وشواخصها المعمارية التي مازال الكثير يعاني منها من نقص فظيع في اعدادها والتي لم تعد تستوعب الاعداد الغفيرة من الطلاب كون اعداد تلك المدارس لاتتناسب اطلاقا مع التعداد العام لسكان العراق الذين يدرس الكثير من ابنائهم في مدارس طينية او آيلة للسقوط بسبب قدمها ، وتتحمل الوزارة مسؤولية عدم تأهيل البنى التحتية للمدارس واكتظاظها بالطلبة لتصل الى اكثر من 60 طالبا بالصف الواحد في بعض المدارس.
ناهيك عن المناهج الدراسية التي تُستبدل بين فترة واخرى لأسباب لايعلمها الاّ الله والراسخون في لجنة المناهج في الوزارة ، فضلا عن غموض بعضها وصعوبة البعض الاخر او لأنها لم تعد مواكبة لتقنيات العصر التي تتطور بشكل متسارع مايسبّب ارباكا لجميع مفاصل العملية التربوية وعلى جميع المستويات ابتداء من الكوادر التدريسية وللطلاب الذين قد يلتجئون إمّا للتعليم الاهلي او للدروس الخصوصية والمطلوب من الجهة المسؤولة عن وضع
المناهج.
ان تواكب التطور في العالم وتسترشد بتجارب الآخرين وهي تتحمل مسؤولية تغيير المناهج بوقت غير مناسب ما يؤدي الى ارباك العملية التعليمية مع شحة سنوية (معتادة) في اعدادها وكثرة عدد المواد وفخامتها بما لايتناسب مع قدرات الطلبة الذهنية وحالتهم النفسية، فضلا عن كثرة العطل والمناسبات المبالغ بها التي تعيق العملية التربوية وتؤدي الى عدم اكتمال المنهج المقرر ، وكان يجب على وزارة التربية ان ترتقي بمستوى منتسبيها بزجّهم في دورات تقوية وتحديث معلوماتهم لتتلاءم مع مايُستجد من علوم توافقا مع التطور المستمر لوسائل الاتصال والتواصل والثورة المعلوماتية الكبرى التي اجتاحت العالم وفي كافة المجالات ومنها التربية
والتعليم .
وبرأيي المتواضع ان مرحلة الدراسة المتوسطة هي من اخطر مفاصل العملية التربوية وان اصابها خلل ما فهذا يعني ان العملية التربوية كلها لاتسير في السكة الصحيحة واتمنى ان تكون نسبة(34.07 %) جرس انذار للجميع قبل ان يأتي يوم تكون هذه النسبة اقل من الصفر.