عودة الصراع الايديولوجي الى العراق

آراء 2019/08/05
...

ابراهيم العبادي
 
تلوح نذر انقسام سياسي - مجتمعي في العراق، يضاف الى سلسلة الانقسامات المتعددة التي تحفل بها حياة العراقيين، فبعد ما اثارته حادثة ملعب كربلاء من ردود افعال متعارضة ،صار مؤكدا اننا مقبلون فعلا على صراع ايديولوجي  سيأخذ ابعادا اشد مما شهدناه حتى الان،  رغم ان العراق لم يخل يوما من صراع الافكار والتيارات والاحزاب، لكن السمة البارزة التي شهدها عراق بعد 2003، كانت تعايش التيارات المختلفة تحت سقف واحد ولم تخرج صراعاتها عن السيطرة رغم ظهور استقطابات حادة في اكثر من قضية. عودة صراع الافكار والمناهج والنماذج والقوالب الايديولوجية تشير الى ان التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع العراقي لم تدفع القوى المؤدلجة الى تحديث افكارها وتطوير منظوراتها وأساليبها، بل عادت تدافع عن وجودها السياسي والاجتماعي باثارة قضايا لا تبدو خلافية بالمطلق انما توحي بوجود رغبة في الدفاع عن عرينها السياسي وحيزها الاجتماعي ومجالها الفكري، نتذكر الخلاف الذي تصاعد بين قوى دينية تتبنى قوانين ذات مضامين شرعية اسلامية  وقوى تسمي نفسها مدنية حول قضايا المراة والاحوال الشخصية ومنع بيع الخمور، كما نستذكر مساحات التراشق الاعلامي بين من يدعو الى اشاعة الفرح والاحتفاء بالفن ومسايرة صيحات الموضة والاحتفال بعيد الحب، وبين من يدعون الى المحافظة على قداسة مدن واحترام التقاليد ومنع الصيحات التي تصدرها العولمة الثقافية الى العراق، مما قاد الى صيحات استنكار وتدافع اعلامي بين محذر من نمو المظاهر الثقافية الغربية وحريص على الاصالة الثقافية والقيمية السائدة،  الا ان هذا  التعارض  لم يصل الى حدود الصراع بين نموذجين ومشروعين الا مع اشتداد الضغط السياسي على القوى التي تمسك بالشارع وهي قوى مصنفة اسلامية تحملت مسؤولية الحكم وقيادة السلطة فكان انجازها ضعيفا واخفاقها كبيرا،  حيث باتت تخضع لحساب عسير بكل ادوات المحاسبة من اعلام ووسائل تواصل وتجمعات اجتماعية، حتى بات نقد السلطة وتمثلاتها السياسية- الاجتماعية ، ايديولوجية يومية للتيارات المناوئة لقوى الاسلام السياسي وتصاعدت حدة خطاب التوهين ضدها لترد الاخيرة على القوى المناوئة باتهامها بالترويج للالحاد والمثلية الجنسية والعمالة للسفارات باسم الحرية الشخصية وحقوق الانسان، وبات الصراع يأخذ سمة الايديولوجيا لانه يعتمد التعبئة النفسية والتحريض الاجتماعي والشعبوية الانفعالية، وشهدنا تحشيدا متواصلا يستعين بكل ادوات الهجاء واستخدام كل المفاهيم والمصطلحات والاساليب للحط من قيمة الاخر وتسطيح افكاره، ومثلما يستعين الاسلامويون بالمقدس والمتعالي والقيم الدينية، يستعين المدنيون بالحرية والحقوق وينبذون كل ما يستعين به الاخر من ادوات للدفاع عن حيزه ووجوده . بين التيارين  صرنا نقترب من تجاوز حدود التنافس على الحيز العام الى حد الاحتراب الذي نخشى منه لانه سياخذ شكل المواجهة العدمية غير المنتجة ،تذكرنا بمواجهات اليمين القومي واليسار الاشتراكي ولاحقا بين الاسلاميين والعلمانيين،  وهي مواجهات وصراعات دامية معطلة احرقت اخضر العراق ويابسه وصادرت زمنا ثمينا من عمر اجيال العراق حتى وصلنا الى حال بائس نتيجة لغياب العقلانية السياسية والرؤية البعيدة التي لا تنشغل بانفعالات الحاضر ومشاكل الماضي .
اظن اننا نكرر تجارب ماضية في استعادتنا لمنطق الصراع الايديولوجي من جديد، وهو اخر ما يحتاج اليه العراق الان، وبدل اشغال الناس بصراعات غير جوهرية، على القوى المؤدلجة ان تتذكر ان انفعالات العراقيين واستعدادهم للانقسام العمودي والافقي سيضيف عائقا خطيرا الى عوائق بناء الدولة، لانها ستكون صراعا على هوية الدولة ونظامها ودستورها وقوانينها ووظائفها الرمزية وسياساتها الثقافية، والاجدى من ذلك ان يتحول الصراع الى صراع على قيم النزاهة والامانة والانتاج والعمل والاخلاص والانجاز والعطاء وليس على عناوين  مدمرة، علماني - ديني، مدني اسلاموي،  ملحد - مؤمن،  بينما يتنافس هؤلاء على السلطة والثروة والحيز الاجتماعي المتاجرة بالمقدس الديني والمقدس الدنيوي دونما قيمة حقيقية تعود بالنفع
 العام .