إعادة إعمار الموصل

آراء 2019/08/05
...

صادق كاظم 
يبدو ان الحديث عن اعادة اعمار مدينة الموصل بعد عامين من تحقيق الانتصار الساحق على عصابات داعش الاجرامية يظل سرديا اكثر منه واقعيا بسبب ارتفاع كلف الاعمار التي تفوق قدرات الدولة وامكاناتها المالية الحالية ,فضلا عن شح مال المانحين الذين حاولت الحكومة اقناعهم بتقديم الاموال الكافية لتغطية نفقات الاعمار في المدينة المدمرة  ,رغم ان الحكومة العراقية قد وضعت في حساباتها جمع
100 مليار دولار امريكي لتمويل اكثر من 150 مشروعا خدميا استراتيجيا ورئيسيا في المدينة ,لكن ما تم الحصول عليه لم يتعدى ثلث المبلغ المطلوب والذي اخذ طابع الاستثمارات اكثر منها جانب الهبات والمنح وهو ظرف لا يمكن ان يجعل من هذه الاموال تصب في خدمة اعادة تاهيل البنى التحتية في المدينة بقدر ما يخدم صاحبي الاموال انفسهم.
التقديرات الحكومية تذهب الى ان الخسائر في المحافظات الثلاث التي عانت من ضراوة المعارك مع تنظيم داعش الارهابي قد بلغت 50 مليار دولار وان المبالغ الكلية لاعادة الاعمار في هذه المناطق تناهز 90 مليار دولار وهو مبلغ باهظ لا تكفي الموجودات المالية العراقية من تغطيته والحصول عليه مما يجعل من عملية الاعمار في الموصل وغيرها من المناطق المتضررة تاخذ مواعيد زمنية مفتوحة اكثر منها اجندة ثابتة .
يعاني العراق من تراجع في ايراداته المالية المتحققة من مبيعات النفط رغم ان الموازنة المالية قد اخذت بنظر الاعتبار ان يكون سعر برميل النفط 50 دولارا , لكن ارتفاع معدلات العجز والتضخم وذهاب 38 في المئة من الميزانية الحكومية لتغطية رواتب الموظفين والشرائح الاجتماعية الاخرى يجعل من توفر الفائض النقدي في الميزانية امرا غير محسوم.
عملية اعادة اعمار الموصل لها رمزيتها واهميتها الكبيرة باعتبار انها المدينة التي حاولت عصابات الارهاب ان تتخذ منها عاصمة للخلافة الارهابية المزعومة ومنطلقا لجذب عتاة الارهابيين والمجرمين في العالم وتحريرها واعادة اعمارها يؤكد هذا الانتصار ويعمق جراحات الهزيمة في نفوس عناصر داعش الاجرامية ويمنح اهلها الثقة والامل بان العراق حكومة وشعبا يقف الى جانب ابناء المدينة واهلها ومساعدتهم في محنتهم واعادة اعمار مدينتهم .
ما تحتاج اليه الموصل والعراق فعليا هو خطة اعمار شاملة شبيهة بخطة مارشال ولكن بجهود وامكانيات وطنية تقوم على توظيف نسبة من عوائد البترول ضمن صندوق اعادة اعمار وطني يشرف عليه السيد رئيس الوزراء وضمن خطة اعمار مركزية على ان تمنح عقود التنفيذ الى شركات عالمية رصينة لتغطية الجوانب والاحتياجات التي تعاني منها المحافظات المتضررة وضمان تنفيذ هذه المشاريع بشكل متقن وسليم وضمن معايير التنفيذ العالمية المطلوبة.
لا سيما ان العراق ما زال يعاني من اثار الفساد المدمرة والتي تنهك ميزانيته وتؤثر في اداء المؤسسات الحكومية وتؤدي الى فشل المشاريع الخدمية التي تكلف ميزانيات الدولة مبالغ طائلة ,حيث ان الفساد تسبب في اهدار اكثر من 400 مليار دولار طيلة الفترة السابقة وهو رقم كبير يكفي لاعادة اعمار العراق لمرتين على الاقل .كما انه بالامكان الشروع بحملة تبرعات وطنية من خلال تخصيص جزء من ايرادات الكمارك والدوائر الخدمية الاخرى لهذه الحملة وبنسب تحددها الحكومة لاحقا من اجل اعطاء الاولوية لعملية الاعمار هذه وعدم ايقافها انتظارا لوصول الاموال افحصّة المدينة  من الموازنة المالية لعام 2019 لم تبلغ سوى تريليوني دينار عراقي  اي ما يعادل (1.7 مليار دولار) وهو يشكل ما نسبته 1 في المئة من الموازنة الكلية  للبلاد وهو اقل بكثير من نسبة ال9 في المئة المطلوبة.  
لقد كلفت سنوات الحرب مع عصابات داعش الارهابي الخزائن العراقية الحكومية اكثر من 150 مليار دولار وهي كلفة متوقعة في حرب ضروس كانت تحافظ فيه البلاد على وجودها في مواجهة اخطر عصابات ارهابية في العالم ووزارة التخطيط الحكومية اكدت بدورها ان كلفة الاضرار التي اصابت البنى التحتية في المناطق المحررة تقدر بحوالي 45 مليار دولار تضمنت محطات انتاج ونقل الطاقة الكهربائية والمستشفيات ومحطات تصفية المياه الصالحة للشرب والجامعات والمدارس والطرقات والجسور وغيرها ما زال تعويضها واعادة اعمارها بطيئا جدا بسبب النقص في التمويل الذي يمكن من خلاله تلبية متطلبات الاعمار تلك. 
ان خطة حكومية ضخمة وشاملة وبمساهمة من منظمات محلية ودولية من الممكن ان تسهم في تحريك ملف الاعمار ولو بنسبة صغيرة في البداية بدلا من الانتظار والتوقف وطلب الاموال التي لن تاتي ما لم تكن هناك ارضيات مشجعة من خلال حرب حقيقية على الفساد يمكن ان تقنع المانحين الدوليين بتقديم المنح للعراق الذي دفع ثمنا كبيرا من التضحيات والخسائر المادية والبشرية التي اثمرت في النهاية انتصارا عظيما وكاسحا على الارهاب.