ماء المتفوق

آراء 2019/08/19
...

د. حسين القاصد
نوع من المياه انتشر مؤخرا  في الاماكن المزدحمة وفي تقاطعات الطرق؛ وشركة المتفوق للمياه، شركة جديدة على السوق العراقية ، ويقال إن صاحبها تاجرٌ فقيرٌ معدم ، الا ان اقبالا غريبا من نوعه على شراء هذه المياه وشربها من دون غيرها؛ ويحكي الذين سبق لهم شراء قناني المياه التي تحمل ماركة ( المتفوق) ان هذه المياه لها طعم مميز وهي مياه ناعمة بطيبتها ، خشنةٌ وقتَ التفكير بها، وفيها ملحٌ من نوع خاص ، فهي ليست مالحة تجلب الضرر ، انما مالحة بسبب اللهفة والحاجة الملحة لها. 
 صاحب هذه الشركة تاجر فقير جدا ، لا يكاد يحصل على قوت يومه ، وهو طبيب مؤجل ، ربما أجله ايمانه بأن الله جعل من الماء كل شيء حي ، وهو من مدينة يشطرها الماء الى شطرين ، حيث يتوسطها نهرٌ له صلة بعاطفة هذا التاجر تجاه الماء . 
الشركة لا عنوان ثابت لها ، فهي متكونة من شخص واحد ، هو التاجر الفقير المعدم جدا ؛ لكنها تمتاز بخدمة توصيل مجانية تماما ، ولا تحتاج عناوين زبائنها ، بل تقوم بايصال الماء لهم بطريقة تحسدها عليها مديرية اسالة الماء التابعة لأمانة بغداد ، ايام كانت توصل المياه للبيوت والآن اصبحت مديرية لاغراض الجباية لا السقاية !!. 
 التاجر الفقير يقضي كل وقته في ايصال الماء ، ولا احد يعرف ، كيف ، ومتى ، ومن اين ، وكل شركته تتكون منه وحده !؛ لكن مياهه تصل الى كرسيك في السيارة والى يدك وانت تمشي في الشوارع المكتظة بالناس ، او وانت تحترق تحت لهيب هذا الصيف الساخن ؛ لكنك لا تشعر الا وقنينة ماء بارد مملوح بطيبة ونقاء ، ومطعّم بالصدق والاصرار ، لا تشعر الا وهذه القنينة تلامس وجدانك قبل عطشك ، وضميرك قبل احتراقك بلهب هذا الصيف .   ظل هذا الطبيب المؤجل ، والتاجر الفقير مخلصا لمياه خبزته ، ومتواصلا وصال العاشقين مع زبائن رزقه ؛ والغريب ان لا أحد يسأل عن ثروته وشركته ، ومن اين يستورد هذه المياه ، وكيف يتواصل مع الناس بهذه الانسيابية ؛ فالناس وقت العطش تسأل عن الماء فقط لا عن اصله وفصله !. 
 الغريب ان تاجر “مياه المتفوق” لايكاد يجني من عمله وشركته الضخمة المتواضعة!! سوى قوت يومه ، واحيانا لايكفيه ما يحصل عليه من مال لتوفير المياه ليومه الثاني كي لايقطع الوصال مع سر الحياة ومع زبائنه الذين يراقب عطشهم ، وهم يراقبون ملابسه المتعبة ، وملامح التعب والارهاق على وجهه ، ولا يعرفون انه من مدينة شطرها “الغراف” الى نصفين ليصبح اسمها ( الشطرة) ولايعرفون انه طبيب مؤجل اسمه سجاد ، حصل على معدل 97%  في السادس العلمي ليصبح من الطلبة الاوائل ، وتنتظره كلية الطب ، لكنه لاينتظرها ويفضل أي معهد لمدة سنتين لعدم تمكنه من توفير تكاليف دراسة الطب لستة اعوام . ذلك هو بائع الماء ( سجاد ) . إنتهى .