الى جواري ثلاثة كتب اتمنى ان اقرأها بمتعة صافية كتلميذ.لكن كيف لي ان اكمل الجزء الاول من احياء علوم الدين للغزالي,وكيف يمكنني الانتهاء من اعترافات القديس اغسطين وكذلك كتاب فن القراءة لمانغويل دفعة واحدة وانا اعيش في زمن لا يترك لي لحظة هدوء واحدة.؟
انا في واقع الحال عبد امين لهذه الكتب لكني في احيان كثيرة افشل في التقاط عسل المعرفة منها.واظن ان واقع الحياة السياسية الذي يحيط بنا لا يترك لنا فرصة واحدة لتذوق عسل معرفة الكتب.لذا اقول من دون اي مبالغة ان في عالم السياسة توجد جاذبية اقوى حتى من جاذبية نيوتن التي تعمل بلا توقف.فالاشياء في عالم نيوتن لن تطير الى الاعلى وانما تنجذب بفعل قانون الجاذبية الى الاسفل.وهنا نلمس دفء الرحمة في قانون نيوتن لاننا لو افلتنا من شدة جذب القانون لطرنا وطارت اشياؤنا من بين ايدينا.ولنا ان نتخيل عالما تطير فيه الاشياء وتدور كما يحدث على ارض القمر.
قلت في السياسة كما نعيشها يوجد قانون مصطنع بدقة شبيه بالجاذبية اسميه: قانون طحن المؤسسات بهاون المحاصصة.ولن تتوقف عملية الطحن المزعجة هذه حتى الان.
اذا ليس سهلا ان اعيش في ظل سقف سياسي يخترع حتى الاساءة المباشرة.انني اعجب حين اسمع خبرا عن قضايا الفساد,وهدر المال العام.بلا أي ادعاء اعجب كثيرا كيف يسمح شخص لنفسه ان يسرق بلده.واحس نفسي ابله واحمق الى درجة مضحكة لان الحياة تغيرت,وان الفساد صار شيئا عاديا على حد تعبير نائب سابق.
في بعض الاحيان اطلق على نفسي دزدمونة الغبية.اظن ان الجميع يعرف هذه الفتاة البريئة التي كانت لا تتخيل ان فتاة من الفتيات يمكن ان تخون زوجها.هكذا كانت تفكر دزدمونة.لكن مؤامرة مصنوعة جيدا استطاعت ان تقنع عطيل حبيب دزدمونة بانها خائنة,وكانت النتيجة ان قام عطيل بخنقها بوسادة.هذا يعني ان قانون الجاذبية بريء جدا بالقياس الى حجم الدهاء في كلامنا السياسي الذي نسمعه يوميا.
تجرنا قوة جاذبية الكلام الى منطقتها فننزعج.مثلا اساء شخص ما الى الجيش العراقي.ماذا يعني كلام الاساءة هذا.؟انه يعني حالة غريبة جدا بالنسبة لي ولكثيرين غيري.وكما انظر الى حالات الفساد انظر ايضا الى هذه الاساءة على انها نوع من طحن مؤسسة عريقة في هاون المحاصصة.
لكن هل يعقل ان نقلل من دور الجيش والى جوارنا تجربة رائعة هي تجربة السودان وكيف انتهى التغيير السياسي فيه الى اعلان مجلس السيادة الذي ضم بعض قادة الجيش,واحزاب مدنية متنوعة.لا اعرف كيف نقلل من اهمية مؤسسة كالجيش العراقي ولدينا النموذج السوداني,وقبله النموذج المصري وهما تجربتان قريبتان منا.
في الواقع انا اكتب بصعوبة كبيرة اذ لا يعقل ان اقوم بتوضيح مكانة الجيش في ارساء الامن.لننظر جيدا الى تجارب الاخرين كي نتعلم منها.وهذا يدعونا لبناء جيش قوي بريء من التعصب ويشعرني بكرامتي.