تعثرات حزبية

آراء 2019/08/21
...

د. أثير ناظم الجاسور
لم تكن الاحداث السياسية في العراق بعيدة عن التأثيرات الخارجية التي تلعب دور المحور او المحرك لتوجهات الاحزاب الحاكمة والمعارضة وهذا ليس وليد احداث ما بعد 2003 وانما منذ تأسيس الدولة العراقية وهي تتلقى التعليمات والتصويبات على ما تفعله وما ممكن ان تفعله، وحتى لا نغوص بالحديث عن تاريخ تلك الاحزاب والصراع الدائر بينها على الاستحواذ على السلطة لكن بالمقابل هي عملت على ان تكون لها السيطرة على نوعين من السلطة وهما السلطة السياسية والسلطة الاجتماعية، وقد يكون كل حزب من هذه الاحزاب قد سيطر على واحدة من هذه السلطات وواجه صعوبة كبيرة في نيل الاخرى لكن الصراع استمر طويلاً لنيل هاتين السلطتين، 
والتاريخ ايضاً يحدثنا عن نتائج الصراع الدائر بينها وما ولده من اخفاقات وانكسارات ادت بالتالي إلى اتباع سياسة الانشقاق بعد ان واجهت الواقع الاجتماعي والسياسي بكل تجلياته.
اما احزاب ما بعد 2003 فهي استمرت على ذات المنهج في السيطرة فهي تارة تدغدغ عواطف الجماهير بموجبات دينية وتارة تسحبهم لساحة الدفاع عن مكتسبات لطالما عملوا على الحفاظ عليها، منذ اليوم الاول من احتلال العراق واحزاب الساحة العراقية تحاول السيطرة على بوصلة الشارع بمختلف التأثيرات ابتداءً بالخطاب الحماسي سواء الديني او القومي او حتى ذلك الذي يحمل في ثناياه جنبات علمانية لغاية التحذير من المخاطر وابتلاع الاخر وافشال المشروع الذي تروم الاحزاب هذه تطبيقه في العراق، المشكلة ان هذه الاحزاب تعمل وفق معايير لا تتماشى مع المنطق والواقع ولا تعمل ضمن الادراكات العقلية مما يجعلها تتبنى مشاريع واجندات لا يمكن للعاقل ان يصدقها ولا يمكن لمن يمتلك الخبرة والحكمة السياسية ان يتعامل وفق متطلباتها على اعتبارها عابرة لقدراتهم من وجهة نظر الجمهور، والاحداث التي توالت على العراق كانت الدليل على ما قدمته هذه الاحزاب التي كشفت السنوات السابقة عن قصورها وعدم قدرتها على رسم خارطة عراقية 
متكاملة.
عادت نفس الاحزاب بعد الفشل الكبير في سياستها في ادارة البلاد تبحث عن مخارج سليمة من اجل الخلاص من تبعات ما صنعته في كل الجوانب التي عانت من اخفاقات اسهمت في تدهور الوضع العام للعراق، بالتالي شهدنا انشقاقات وعزل وطرد ومحاسبة من هذه الاحزاب لشخوصها مثلما شهدنا ايضاً اجترار ذات المشاريع والشخصيات في هذا الحزب او ذاك، فبعد ان فقدت هذه الاحزاب بمختلف مسمياتها وتبنياتها ثقة الشارع باتت اليوم بحاجة لمراجعة ،علماً ان هذه المراجعة لا تنفع فهي وصلت إلى نقطة النهاية التي لا تستطيع العودة، فقد خلقت داخل هذه الاحزاب مجاميع تتهيأ للانقضاض على كل تفاصيل هذه التنظيمات بتشكيلاتها التي تحاول بقدر الامكان السيطرة على ما تبقى من سلطة ونفوذ سياسي ومالي بعد ان عجزت طيلة هذه السنوات من ان تصنع لها رصيداً شعبياً تتعامل معه ضمن عقلية الحوار والادراك والقناعة، فهي اعتادت على ان يكون لها جمهور طيع لا يملك الارادة في محاورتها او جدالها لكنها في الوقت ذاته لم تعد قادرة على السيطرة حتى على هذا الجمهور والانتخابات الاخيرة كانت خير دليل على ذلك، بالتالي فإنها ستعاني من مزيد من الانشقاقات التي اصبحت حقيقة سياسية وتنظيمية ستعمل على تصغير حجمها في الشارع العراقي إلى ان تجد نفسها في لحظة خطيرة خارج الخارطة العراقية سواء السياسية  أو الاجتماعية.