العسكرة وسوسيولوجيا الحرب.. العراق أنموذجاً

آراء 2019/08/25
...

وليد خالد الزيدي 
قد يظن بعض الناس أن قضية الدفاع المسلح عن الأرض تتعلق بمهام منتسبي الجيوش والعمل المهني العسكري,بعيدا عن تأثيرات القوى الاخرى في أي بلد,بيد أن تلك المسألة تصح إلى حد ما في معارك صغيرة في حجمها ومحدودة في امتداداتها السوقية على الأرض, وقصيرة في مدياتها الزمنية,لكن حينما يتعلق الأمر بخطر داهم يهدد امن مجتمعه ويؤثر في وحدة أراضيه ومستقبل أجياله,فالأمر هنا يختلف بشكل جذري بحيث تشمل مساحة التأثير العسكري وعطاء الجيوش كل أبناء المجتمع, ولم تقتصر تلك المهمة على أطراف الحكومة او قياداتها العسكرية فحسب, بل جميع قوى الشعب, فمن بين أهم مقومات تحقيق مهام الجيوش هو الدعم الجماهيري, بل يتعداه أحيانا إلى ما يسمى بـ”العمق السوقي الشعبي”ليكون المجتمع خير ظهير له, فيمده بالرجال وعدة القتال وكل أسباب الدعم المعنوي وشحذ همم مقاتليه, بحيث يلعب المجتمع دورا كبيرا في تحويل بوصلة الصراع العسكري نحو الغايات الوطنية العليا وتطوير فنون الحرب لتأخذ طريقها في حسم المعركة بنصر كبير,يمثل تطلعات جميع أبناء البلد,من دون تمييز.
جزء من هذا الأمر يعود بنا الى ما تسمى بـ”سوسيولوجيا الحرب”والكلمة الأولى لاتينية تعني باختصار علم دراسة قوانين تطوير المجتمع،وتقدمه, التي تتحكم به لتساير التطلعات التي ينشدها الجميع,أما الحرب فلا يقصد بها معركة بحد ذاتها,إنما صراع طويل المدى مع أي طرف معاد,وأحيانا يراد بـ”سوسيولوجيا الحرب”علم النفس العسكري,باعتبار أصحاب المهنة العسكرية هم ليسوا مجرد متخصصين في العلوم العسكرية وفن استخدام السلاح, إنما يمر هؤلاء بعملية تنشئة مهنية وسياقات وضوابط التجنيد وصناعة حدث عسكري لا ينطبق على غيرهم من بقية أفراد المجتمع, وهم أيضا أشخاص ذوو قيم سلوكية وأبعاد فكرية وثقافية ترتبط بتنظيم وطاعة عسكريتين منبثقتين من معايير مجتمعية بإطار عام يرتبط اساسا بغايات وأهداف ستراتيجية بعيدة المدى وشاملة لكل أفراد المجتمع.
ويقينا حينما نؤطر تلك النظرة على ما يجري في بلدنا من تضحيات انبرى لها أبناء شعبنا بكافة قواه وفي مقدمتهم مقاتلو جيشنا الغيور بكل صنوفه وتشكيلاته لمقاتلة أعداء الوطن من مجاميع الإرهاب, إنما هو خير مثال لتجسيد المهنية العسكرية مقرونة بإرادة أبناء الشعب العراقي, بأديانه وأطيافه وقومياته وقواه السياسية والشعبية كافة,وعبرت  وزارة الدفاع عن تلك الحقيقة باعتبارها المؤسسة العسكرية المتخصصة, حينما أشارت إلى أن الجيش العراقي حقق إرادة كل ابناء الشعب على ارض الواقع,في حرب تحرير المدن والمحافظات من قبضة الإرهاب,وبرهن على انه كلمة الفصل على طريق الحرية وهو سور الوطن العالي وسده المنيع بوجه الطامعين والغزاة.   
ونحن مازلنا نعيش حالات استهداف إرهابية متكررة على شعبنا في كل المناطق, وتلك مؤشرات واضحة على أن الحرب لا تزال تدور رحاها إلى يومنا هذا, فترانا بحاجة إلى تعضيد عمل المؤسسة العسكرية العراقية وتوحيد الخطاب الوطني وإبراز المواقف الداعمة لها من كل الإطراف السياسية والشعبية والإعلامية والدينية ومنظمات المجتمع المدني,لما لها من شأن كبير على تعزيز قدراتها وكونها تمثل استقلال البلد وهيبة الدولة، لاسيما ان مآثر مقاتليها وصور تضحياتهم وبـسـالتهم أذهلت العالم وبرهنت على إصرار العراقيين على تحرير أرضهم من الإرهاب,حيث كان الجيش العراقي محط تقدير واحترام كل شعوب العالم التواقة للسلام,ومحل فخر واعتزاز جميع أبناء الشعب,ولابد من التسليم بعدم وجود دولة قوية,قادرة على حماية مواطنيها ومصالحهم من الطامعين من دون قوة تتمتع بروح معنوية متأهبة وتلك لم تتحقق إلا بتكاتف جميع العراقيين ووقوفهم خلف جيشهم 
المغوار.