ميادة سفر
“شيء يهبط علينا من السماء” هكذا يمكن وصف حالة الفرح التي تجتاحنا، تلك اللحظات الجميلة القويَّة التي تؤثر في كيان الإنسان بكليته، على جسده، وعقله، وقلبه، وتفكيره، شعور من اللذة والسعادة والرضا، تختلط فينتعش القلب وتنفرج أساريره، تبتسم الشفاه ببهجة، نتنفس عميقاً براحة كبيرة.
يشعر الطالب بالفرح عند نجاحه في دراسته، واللاعب لحظة فوزه بالبطولة، والعاشق لمّا يلتقي محبوبه، والصديق حين يصادف صديقاَ لم يره منذ زمن، حالات كثيرة من ذلك الشعور وتلك التجربة التي نرغب بها جميعاً “الفرح”، تختلف طرق التعبير عنه من شخص لآخر، لكنها غالباً ما تتجسد بالقفز والرقص والغناء.
يحتاجُ الفرحُ إلى مشاركته مع الآخرين، مجرد أنْ ندخل تلك الحالة نحسُّ برغبة في مشاركته وتبادله، حتى وإنْ كنا لا نعرفهم، وهو ما نجده في الملاعب لدى مشجعي إحدى الفرق الرياضية.
كل إنسان بحاجة لتلك المساحة من الفرح والبهجة، للخروج من الضغوط الكثيرة التي يتعرض لها أثناء حياته وعمله، والتي تُسهمُ في تغذية المشاعر الإيجابيَّة وبالتالي الترويح عن النفس، وتحسين علاقتنا بالآخر وتجديد الحياة وتعزيز أواصر التواصل الاجتماعي بين الأفراد.
الشخص الذي لا يمكنه ممارسة الفرح ولو بحده الأدنى، يتسم بالسوداويَّة والاكتئاب، بينما القدرة على الفرح والمشاركة فيه وخلق أجوائه هي من سمات الشخصيَّة السويَّة السليمة، بما تمكن صاحبها من تجاوز الأزمات والخروج منها ومعالجتها، بدل الاستسلام لها والركون لنتائجها السلبيَّة.
في المقابل نحتاجُ إلى ثقافة الفرح ولا يستغرب البعض هذا الربط بينه وبين الثقافة، لأنَّ السلوكيات السلبيَّة التي يمارسها البعض أثناء طقوس التعبير عن أفراحهم وبهجتهم، قد تتسبب في كثير من الأحيان بنتائج مؤذية في جوانب عدة، كتعطيل حركة المرور في الشوارع، أصوات أبواق السيارات العالية المزعجة أثناء الاحتفال بحدثٍ ما، هذا فضلاً عن الكارثة الكبرى التي أفرزتها السنوات الأخيرة بشكلٍ لافت، مع انتشار السلاح العشوائي وغير العشوائي في أيدي الكثيرين، ظاهرة إطلاق العيارات الناريَّة بشتى أنواع الأسلحة، إماً احتفالاً بنجاح طالب، أو بقدوم السنة الجديدة، أو بفوز فريق رياضي في أحد الدوريات، أو حتى بخطاب لأحد الزعماء، من دون أي اعتبار أو حسبان لأرواح وحيوات الناس التي يمكن أنْ تتعرض للخطر من تلك الرصاصات الطائشة، لدرجة سقوط عدد من القتلى الذين لا ذنب لهم، فينقلب الفرح حزناً، والأعراس إلى
مآتم.
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى ترويج ثقافة الفرح بعد أنْ امتزج بالتهور، وبات المجتمع يتهيب ممارسة أي طقس من الطقوس الاجتماعيَّة، ولسان حالهم يردد “الله يستر” و”إنْ شاء الله تمرق هذه الليلة على خير”، وسواها من الأدعية والابتهالات، بعد أنْ تحولت مناسبات الأفراح إلى أجواء قلق وتوتر ليس لأصحاب الشأن فقط، بل حتى للجوار القريبين من الحدث والمارين في الشوارع.
يشكلُ الفرحُ دافعاً لاستمراريَّة الحياة، يطيلُ أعمارنا ويجعلها أكثر جمالاً، بينما الحزن ضارٌ بالصحة ويقصر العمر، فما علينا إلا أنْ نحافظ عليه ونمارسه بوعي ومحبة.