كيسًُ من صمونِ الجيش

آراء 2019/08/27
...

 نوزاد حسن
 
ما زلت اتذكر كيس صمون الجيش الثمين حتى هذه اللحظة.وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على هذه الحكاية الا اني ما زلت اتذكرها كنكتة سياسية لو جاز القول.وربما كان مذاق هذه النكتة سيكون كطعم الاكل الصيني لو ان الحياة السياسية بعد عام 2003 تغيرت جذريا عما هي عليه الان.لو ان هذه الطبقة السياسية نجحت في خلق دولة مدنية لما بقي لنكتتي من شيء سوى ذكرى خائبة تروى للتسلية.ومع هذا فانا حين احكي عن الموقف الذي مررت به ايام كنت جنديا تخرجت من الكلية  فان من يستمع لي يقول ردا على ما احكيه.والان الوضع مليء بالنكت ايضا ياصديقي.وكأننا نتبارز معا أينا تكون نكتته او قصته اكثر غرابة.
  دعوني اضعكم في قلب حكايتي.في بداية التسعينيات كنت جنديا منتسبا لوحدة عسكرية على اطراف بغداد.اذهب باكرا الى دوامي مع الباعة والبقالين.اسير فجرا كأسير في ظلمة توشك ان تستسلم لضوء النهار.في كل صباح كنت اتساءل :هل صحا صدام من نومه الان.؟ وانا اسير واستمع الى وقع “بصطالي” على الشارع اتساءل :ترى ماذا سيكون فطوره.؟
  في صباح عادي تملؤه الاسئلة نفسها اكتشفت اني لا احمل هويتي ولا عدم التعرض الذي يحمله الجنود من سكنة بغداد.قلت :ومن سيسألني ما دمت اعبر سيطرة الفيلق من دون ان يعترضني احد.لكن في نقطة التفتيش حدث ما لم اتوقعه.طلب جندي في الانضباط العسكري هويتي.تفاجأت واخبرته اني جندي مكلف في احدى وحدات الفيلق.قال:انزل.وقادني الى باب فتحه وادخلني ثم اغلق الباب خلفه.شاهدت عشرين جنديا محجوزين في الغرفة.بعد ساعة اصعدونا الى سيارة عسكرية من نوع زيل وسارت بنا الى مقر الانضباط العسكري.جمعونا في ساحة كبيرة تحيط بها غرف.خرج ملازم اول يرتدي زيا عسكريا زيتونيا وسأل نائب ضابط يقف معه.شنو قصتهم.اجابه النائب ضابط:سيدي كلهم لديهم مخالفات قيافة الا هذين فانهما بلا اي ورقة ثبوتية.واشار الي والى جندي يجلس جنبي.وهنا نطق الملازم المنتفخ كديك  حكمته قائلا:اتحرز عليهم هذولة من جماعة وفيق السامرائي الخائن.يبدو ان مدير الاستخبارات ايام صدام فر الى كردستان وكان هناك انذار او شيء من هذا القبيل.وقبل ان يكمل الملازم كلامه خاطبه الجندي :سيدي يا وفيق الله يخليك.وهنا انقض الملازم على الجندي وركله شاتما إياه. بالنسبة لي كنت صامتا وكأني انتظر شيئا.سمعت من ينطق اسمي بهمس.بحثت ولم اعرف من كان يناديني.سمعت اسمي مرة ثانية.نظرت الى الخلف فاذا بجندي من الانضباط يقول لي :انت من جماعة ابو علي.قلت له نعم.قال تعال معي,فاخذني الى نقيب وشرح له وضعي وسألني النقيب عن (ابو علي) طالبا مني ايصال سلامه له.حين خرجت ضحكت وانا أحمد الله لأن كيس الصمون الذي كنت املأه لابي علي كل صباح شفع لي,لاني كنت مسؤولا في الاعاشة,ولم اكن اتردد عن مساعدة ذلك الرجل المبتلى بعائلة كبيرة العدد.