يتواصل السجال منذ اكثر من عامين، لاسيما خلال الشهرين الماضيين، حول تشريع قانون (خدمة العلم ) الذي نصت المادة (9 - ثانياً) من الدستور الدائم لسنة 2005 على اعتباره مشرعاً ودعت الى تنظيمه فحسب ويهدف هذا القانون الذي يوصف بـ (التجنيد الالزامي) الى اداء كل شاب عراقي بلغ الثامنة عشر من عمره او اكثر الانخراط في مؤسسة الجيش العراقي للتدريب والتعلم على فنون القتال دفاعاً، عند الضرورة، عن الشعب العراقي والعراق .
لقد اقر البرلمان والحكومة في العهد الملكي لعام 1935 هذا القانون بعد تأسيس الجيش العراقي العام 1921 اي بعد مرور 14 عاماً على ذلك التأسيس ولم يتم اقراره خلال تلك الاعوام رغم محاولات الملك فيصل الاول الحثيثه وكان احد الاسباب الرئيسة لذلك هو معارضة العشائر لاقراره خشية انسلاخ الشباب من هيمنتهم والتخلي عن خدمتهم، حيث كانت هذه الهيمنة تمنحهم القوة لان يكونوا اقوى من الدولة ومؤسساتها الامنية الامر الذي كان يشكو منه الملك بمرارة .
واستمر العمل بهذا القانون ونفاذه لنحو 70 عاماً حتى تم الغاؤه بعد التحرير والتغيير العام 2003 من دون تشريع قانون بديل عنه يتجاوز السلبيات الواردة فيه باستخدامه السيئ والفظ خلال حكم النظام السابق .
وخلال السنوات التي تلت العام 2003 وحتى العام 2016 جرى التزام الصمت حول تشريع هذا القانون بسبب اعتراض العديد من الكتل السياسية وبعض العشائر وكذلك بعض القيادات الكردية، فضلاً عن معظم الدول الاقليمية لابقاء الجيش ضعيفاً وعدم اعادة بنائه .. وكل لأسبابه . وفي العام 2016، وبعد مرور نحو عامين على احتلال داعش قدمت وزارة الدفاع وبدعم وزيرها آنذاك خالد العبيدي في حكومة العبادي مشروعاً متكاملا للقانون وارسل الى شورى الدولة ثم اعيد الى الحكومة .. فتوقف هناك دون ان تعلن اسباب ذلك حسب الوزير العبيدي وخلال السنتين الماضيتين جرى سجال هادئ حول هذا القانون بين مؤيد له ومعارض وكل يطرح اسباب موقفه وفي منتصف تموو الماضي التقى عدد من اعضاء لجنة الامن والدفاع البرلمانية برئيس مجلس الوزراء لاطلاعه على هذا الموضوع وكانت وجهة نظر ان هذا القانون يحتاج الى (دراسة) بينما اظهرت اللجنة عن تصميمها على احالة القانون الى البرلمان في فصله التشريعي الثاني في ايلول القادم بهدف مناقشته وتشريعه .
وفي هذا السجال يقدم المعترضون على تشريع هذا القانون وتمريره العديد من الاسباب والمبررات الفنية والمالية .. وغيرها، دون الاشارة الى الاسباب والمواقف السياسية التي تشكل خلفية هذه الاعتراضات، وهي اعتراضات ترد عليها وزارة الدفاع وتفندها بالارقام والأدلة الواقعية التي تؤكد فيها امكانية انفاذ القانون اذا ما تم تشريعه خلال سنة او سنتين ويتم تجاوز المعوقات الفنية والمالية واللوجستية .
اما المؤيدون لتشريع هذا القانون بدءاً بوزارة الدفاع وعموم المؤسسة العسكرية اضافة لمعظم النخب السياسية والقانونية فيقدمون الاسباب والمبررات السياسية والوطنية التي تتجاوز المبررات الفنية للمعترضين، وابرز واهم تلك الاسباب والعوامل التي تدعوهم للسعي لاقراره فهي : اولاً : ان تطبيق القانون يعزز الروح الوطنية العراقية بممارسة عملية بعد ان ضعف هذا الدور خلال السنوات الماضية فالالتحاق بخدمة العلم يبعث للاحساس الشديد بالمواطنة ويمنحه شعور المساهمة العملية في الدفاع عن الشعب والوطن .
ثانياً : تحقيق قدر كبير ومهم من الاندماج واللحمة الوطنية بين المواطنين العراقيين من مختلف الديانات والمذاهب والاعراق والمناطق، وهو الامر الذي يتحقق من خلال التدريب المشترك والعيش المشترك في المهاجع والثكنات وساعات الراحة وهذا ما لا يتوفر في غير (خدمة العلم) هذه.
ثالثاً : تحقيق التوازن والتماثل دون تمييز او اقصاء لأي مواطن من شرف الخدمة الوطنية كما جاء في نص المادة (9 - اولاً) من الدستور الدائم، وهو الامر الذي يحقق الوحدة الوطنية والاندماج بين الشباب العراقي بشكل عملي .
اما السلبيات وبعض التطبيقات القاسية بالقانون فيمكن تعديلها وتجاوزها مثل تحديد الخدمة بعام او عام ونصف لا اكثر وكذلك وضع انظمة وضوابط واجراءات مساءلة للممارسات السيئة والقاسية لبعض ضباط الصف والمدربين وحتى الضباط وبما يحترم كرامة وشخصية المجند بأعلى درجات الاحترام .
ولهذه الاسباب وغيرها يرى كثيرون ضرورة تشريع وتمرير قانون (خدمة العلم) في التجنيد الالزامي.