بينما كنت اتنقل من مدينة إلى آخرى في المحافظة التي أعيش فيها ، محافظة ذي قار ، صدح صوت يجلس خلفي
مبينا استغرابه من واقع المحافظة المتأخر ونقص الخدمات والإعمار ، مفصحا عن أنه وهو ابن الموصل كان يتصور أن هذه المحافظة التي كانت مهملة في السابق باتت بفعل وجود عدد كبير من أبنائها في الحكومة المركزية ، جنة الله في الأرض ، وإن حالها أصبح مختلفا كثيرا عن حالها السابق ، لكنه تفاجأ بما هي عليه من التأخر مقارنة بمحافظات أخرى أصبح الإعمار فيها أمرا ملموسا وواضحا ، ولم يقتصر الأمر على المحافظات الآمنة بل حتى تلك المحافظات التي عانت من عدم الاستقرار ومن إرهاب داعش والتي توقع كثيرون أن يتأخر الإعمار فيها مدة طويلة بسبب كم الخراب الذي حل فيها ، إلا أن الأمور لم تسر هكذا
فقد شمر أبناؤها عن سواعدهم وقاموا بحملة إعمار كبيرة انتجت واقعا جديدا لمحافظاتهم ،
وهذا ما يحسب لمسؤوليهم أيضا ، والأمر ذاته في ما يخص إقليم كردستان الذي نجح في تخطي بقية مناطق العراق في مستوى الإعمار وتوفير الخدمات ، لذا لابد من التساؤل عن سبب هذا التباين في مستوى الإعمار بين محافظة وأخرى وبين منطقة وأخرى حتى نجد
الحلول له.
فمحافظة ذي قار هي من أكثر المحافظات في عدد ما موجود فيها من المدارس الطينية فضلا عن المدارس التي لا تتوافر فيها كثير من الخدمات والمقومات الدراسية ،
وهي أيضا من أقل المحافظات في ما يتوافر من إمدادات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب ، وفي عدد المستشفيات
والمراكز الصحية ، فضلا عن الأجهزة الصحية الحديثة التي تكاد تخلوا منها الكثير من
مستشفيات المحافظة ، ولا يتوافر في المحافظة ملعب دولي لكرة القدم أو صالات للألعاب الرياضية الأخرى ، ولا مسارح أو دور سينما ، ولا توجد فيها بنى تحتية جيدة من طرق حديثة وجسور ،
أما مطار المحافظة أو ما عد مطارا لها فليس سوى مكان تملأه الأزبال وهو فضلا عن ذلك أشبه ما يكون بمرأب للعربات منه كمطار .. الخ .
فهذا الحال يثير كثير من التساؤلات : فأين دور نواب المحافظة في حشد الدعم لإعمارها وتوفير الخدمات لأبنائها ؟ وأين دور مسؤوليها المحليين فضلا عن أولئك الذين يعملون في
الحكومة المركزية؟
وأين دور رؤساء الكيانات السياسية التي يشكل أبناء هذه المحافظة جزءا كبيرا من قواعدهم ؟
وأين تلك الأصوات التي أدعت أنها تسعى لرفع المظلومية عن هذه المحافظة وإنصاف أهلها بعد ما عانوه من العنت والجور والإهمال في العهود
الماضية ؟
إن من حقنا كأبناء لمحافظة مضحية قدمت الكثير للعراق أن نطالب بحقوقنا ، وأن نسأل عن أسباب هذا التمايز في توفير الخدمات وتخصيص مشاريع الإعمار ،
فالعراق ليس ملكا لطرف دون آخر وليس هناك محافظة أدنى مستوى من محافظة أخرى ، فكلنا عراقيون وكلنا نستحق أن نعيش بكرامة ورفاهية في عراق
آمن مستقر .