ثغراتٌ في جدار الولاء الوطني

آراء 2019/09/01
...

د. سعد العبيدي 
 

نقصد بالولاء هنا الطاعة والإخلاص، وخير بيئة تفسر هذا القصد وتؤشر مديات التأثير هي البيئة العسكرية، التي تعلمُ منتسبيها منذ التحاقهم الى مؤسساتها الولاء التدرجي الى الوحدة العسكرية، لينتقل إلى التشكيل ثم الفرقة فالمؤسسة، والوطن، وتضع خططاً ومفردات تدريب وتثقيف لتعزيز مستويات هذا الولاء ليكون قابلاً الى التعميم من الوحدة الى الوطن، وبالقدر الذي يزيد من التوجه مهنياً للدفاع عنه أي الوطن والقتال من أجله. 
قواعد ولاء يجري تعزيزها في السلوك لا تقتصر على الجيش، بل وتشمل باقي القطاعات التي تنتج وتعمل من أجل الوطن، تم كسرها في العراق بشكل واضح بعد عام 1968، ليتحول الولاء من المؤسسة الى الحزب القائد، ومن بعد عام 1979 الى القائد ذاته بديلاً عن الولاء المطلق للوطن، وعلى أساسها أصبح تسنم المناصب القيادية في الدولة في غالبية مؤسساتها العسكرية والامنية على وجه الخصوص، تبعاً لمعايير تقييم الولاء الى القائد الأعلى، ولهذا السبب وأسباب أخرى تتعلق بأخطاء قيادة الدولة والمجتمع اتسعت الثغرات في جدار الولاء ولجأت الدولة آنذاك أو القائد الى الاكثار من الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية والحزبية، فأنشأ عدة قيادات الى الحرس الجمهوري، والحرس الخاص وجيش القدس والنخبة وفدائيي صدام، بالإضافة الى الجيش الشعبي وستة أجهزة أمنية، رافقها في الوقت ذاته تضييق لمفهوم الوطن في عقل المواطن ليكون للمكان أثر في تحديد الولاء اليه، حيث الاعتماد في ايكال المسؤولية على أبناء مناطق من دون أخرى، حتى أخرج عمداً الشمال الكردي من معادلة الولاء الوطني وقسما كبيرا من الجنوب الشيعي وأنهى أثر الجغرافية وما عَلُقَ في عقل العراقي من مفهوم للوطن بحدوده الجغرافية التي يقيم فيها من زاخو شمالاً، حتى الفاو جنوباً.
إنها إجراءات أراد لها أن تكون وسائل املاء الفراغات أو سد الثغرات في جدار الولاء، بغية التقليل من التهديد الماثل للوجود، لكنها خطأ ،إذ وبدل من أن تسد الثغرات بعثرت الجهد المتاح وأضعفت الولاء وقللت الهمم، وأسهمت في نهاية المطاف في عملية الهدم للدولة والنظام.  
ان استعراض المرحلة التي مر بها العراق من عام 1979 والى 2003 وما بعدها تؤشر سعة تلك الثغرات في جدار الولاء، بالقدر الذي دفعت الحاكم السابق أي صدام الى التمادي في إجراءات الأمن بطريقة زادت من سعتها في ذاك الجدار الهش، وتؤشر في الوقت نفسه الى أن الحكومات التي أعقبت السقوط، لم تدرك حقيقة وجود الثغرات ولم تستفد من درس التهديم، ولم تتعظ من موضوع الانحياز، بل وسار بعضها على السكة ذاتها لما يتعلق بتفسير الولاء، والتوجه حثيثاً لزيادة عدد المؤسسات العسكرية بدعوى الحاجة ومضاعفة أعداد الأجهزة الاستخبارية والأمنية لذات الحاجة، واختيار أبناء المنطقة والعشيرة والطائفة لبعض المراكز المهمة، وهذا خطأ لا ينبغي أن يتكرر.