العراقُ يتحرَّكُ لرفعِ قدرته التصديريَّة من النفط

اقتصادية 2019/09/01
...

 
 
سيمون واتكينز  ترجمة: شيماء ميران
 
عاملان يجعلان من البناء العاجل للبنية التحتيَّة لتصدير النفط العراقي أكثر أهمية من ذي قبل. أولهما الخطر المتزايد من الوضع الأمني في الخليج العربي عقب الاحتجاز المتبادل للزوارق المرتبطة بالجانبين الإيراني والأميركي في المواجهة الجيوسياسية الحالية، مع المزيد من التدخل المتوقع من قبل روسيا والصين قريباً. أما العامل الثاني فهو النمو المتواصل في تصدير النفط من جميع أنحاء العراق خلال مبيعات شهر تموز الماضي ومن ضمنها إقليم كردستان، بمعدل يصل الى 4.007 مليون برميل يومياً، بعد أنْ كان 3.946 مليون برميل يومياً في شهر حزيران، متفوقاً عما سجله كانون الأول الماضي، إذ كان 4.159 مليون برميل يومياً.
وبحسب ما أوضحه خبير الطاقة في الشرق الأوسط للاستشارات العالمية في مجال الطاقة بمؤسسة انرجي اسبكتس (Energy Aspects) في لندن ريتشارد مالينسون لموقع Oil Price فإنَّه كما هو واضح بمستوى تصدير العراق للنفط الذي وصل الى ما يقارب الأربعة ملايين برميل يومياً، وهو ما تستطيع البنية التحتية إنتاجه تقريباً، لكنَّ أي نشاط كبير يفوق ذلك المستوى غير 
ممكن.
وهذا قد يعيق ستراتيجية الطاقة الأساسية في العراق من أجل زيادة واردات إنتاج النفط الخام بمقدار 6.2 مليون برميل يومياً بنهاية العام 2020 وتسعة ملايين برميل يومياً في نهاية العام
 2023.
يقول ريتشارد: "عملياً فإنَّ جميع محاولات التصدير للحكومة العراقية المركزية عدا إقليم كردستان تركز على منشأة البصرة في الجنوب، ما يعني نقل النفط عبر الخليج العربي، والذي يضعه في مركز التوتر الأمني الحالي بين كل من إيران وأميركا". على الرغم من نفي وزير النفط العراقي من أنْ تكون هناك صلة للعراق بالسفينة الناقلة MT Riah التي استحوذت عليها إيران مؤخراً، وأنه من غير المرجح أنْ تتعرض إيران لسفن أقرب دولة حليفة لها، لكن يبقى خطر وقوع أي حادث وتأمين وسيلة لحماية جميع السفن من القصف بالصواريخ عبر الخليج العربي مؤثراً في هامش الأرباح على جميع شحنات سفن 
العراق.
 
خطط سابقة
ويوضح ريتشارد أنه للوصول الى البصرة فإنَّ النفط يُنقل عبر أنابيب نقل داخليَّة لكنها غالباً ما تكون غير صالحة وبحاجة الى تحسينها بأسرع وقت ممكن، ومن هناك يجد النفط طريقه الى الفاو مستودع التصدير الرئيس حيث يتم خزنه 
ومزجه. 
كما أكد ريتشارد أنه "بالرغم من ذلك لا يوجد استثمارٌ كافٍ أو أي شيء بجانب مستويات النفط الحالية غير المستدامة، ما يعني أنَّ إمدادات النفط يمكن أنْ يتم تخزينها في حقول النفط ذاتها، ما يؤدي الى صعوبات كبيرة 
للإنتاج". 
وبحسب ما أخبر ريتشارد موقع Oil Price فإنَّ "هذا يعيق ايضاً إنتاج نفط عراقي خام جديد (نفط خام متوسط من البصرة)، والذي كان من المفترض أنْ يُضاعف تدفقات الإيرادات المُنتجة من نفط خام البصرة الثقيل 
والخفيف".
وكان العراق قد وضع خططاً واقعيَّة ملائمة، قبل أحداث عصابات داعش، لبناء ما لا يقل عن اثنتي عشرة وحدة خزن تشغيليَّة بوقت كامل ومنشآت في جميع أنحاء الفاو مع نهاية العام 2016، بهدف طويل الامد لتضم محطة الفاو أربعاً وعشرين وحدة خزن بطاقة استيعابيَّة لكل منها تبلغ 58 ألف مترمكعب، فيصل إجمالي الطاقة الاستيعابيَّة الى أكثر من ثمانية ملايين 
برميل. 
وعدم تفعيل هذه الخطط حتى الآن حدد المعيار القياسي للحكومة العراقية وتوقعات الإيرادات غير المؤكدة الناجمة عن اختلاف سيناريوهات أسعار النفط ضمن وزارة النفط. 
وما ان نتجاوز الفاو يصبح الوضع أكثر فاعلية قليلاً، إذ كان يتم ضخ النفط عبر الفاو الى مرسى منفرد بينما الآن هناك خمسة مراسٍ، أربعة منها تستخدم بشكل مستمر، في حين إنَّ الآخر يخضع لصيانة دوريَّة وبعض التوسعة اللازمة في الطاقة الاستيعابية لمحطة البصرة البحريَّة 
الحاليَّة.
وكانت هناك أخبارٌ إيجابيَّة الأسبوع الماضي بالنسبة للمحطة البحريَّة في خور العمية، التي شهدت توقفاً في عمليات التحميل عام 2017 عند حدوث تلف وتسريب في أحد أنابيب قاع البحر التي تغذي المنشآت البحريَّة ما دعا لإغلاقها، وبحسب مصادر في وزارة النفط العراقيَّة فإنَّ المباحثات تتقدم بشكل جيد مع بريتيش بتروليوم BP (ثالت أكبر شركة نفط خاصة في العالم) وشركة Eni (شركة إيطالية عملاقة لاستكشاف واستخراج النفط) لتنفيذ مشروعٍ بقيمة 400 مليون دولار لتبديل اثنين من خطوط أنابيب قاع البحر القديمة أحدها أنبوب محطة خور العمية الذي كان يُفترض أنْ يكون جزءًا من مشروع جنوب العراق المتكامل SIIP، على الرغم من مناقشات وزارة النفط بشكل متقطع مع شركة إكسون موبيل 
الأميركيَّة.
 
خط كركوك - جيهان
وبعيداً عن إثارة سخط شركة إكسون موبيل، فإخراج مشروع خطوط الأنابيب هذا من مشروع SIIP يبدو وكأنه سيلقى ترحيباً من الشركة الأميركية، لأنها في الأصل كانت قد ركزت فقط على البناء خارج مشروع ماء البحر المشترك CSSP وتمويله بدلاً من مشروع SIIP غير العملي والأعلى تكلفة. الأكثر من ذلك فإنَّ مشروع CSSP سيكون بالتأكيد نقطة تحول حاسمة على الزيادات الكبيرة في إنتاج النفط العراقي وصادراته 
مستقبلاً.
وعلى الرغم من أنَّ تصدير النفط عن طريق الشمال ومن ثم الى أوروبا عبر ميناء جيهان التركي يبدو نظرياً أنه الخيار الأفضل تصديرياً، إلا أنَّ الاعتبارات العمليَّة والسياسيَّة المشتركة جعلت النظريَّة بالية. واقعياً، فإنَّ خط أنابيب كركوك – جيهان الأصلي الذي يسمى ايضا خط الأنابيب العراقي – التركي ITP يتكون من انبوبين، تبلغ طاقاتهما نظرياً 1.6 مليون برميل يومياً الناتجة عند الجمع بين (1.1 مليون برميل يومياً للانبوب الذي بقطر 46 إنجاً و0.5 مليون برميل يومياً للأنبوب الآخر بقطر 40 إنجاً).
وكان هذا الأنبوب الناقل هدفاً لهجمات متكررة ومستمرة من قبل المجاميع المسلحة المختلفة في المنطقة حتى قبل دخول عصابات داعش الإرهابيَّة للمشهد، ما حدا بحكومة إقليم كردستان الى الإشراف على إنهاء مسار جانبي واحد من حقل طقطق عبر خورمالة والذي يلتقي بخط انابيب كركوك – جيهان عند مدينة فيشخابور الحدودية، بطاقة استيعابيَّة 0.7 مليون برميل يومياً والذي ازداد بعد ذلك الى مليون برميل يومياً. وما زاد الأمر تعقيداً الخلاف المستمر مع حكومة إقليم كردستان بشأن اتفاق ميزانية النفط التي تم التوصل اليها عام 2014، وعزمت حكومة بغداد بدلاً من ذلك على إصلاح وإعادة فتح خط الأنابيب الحكومي الممتد عبر كركوك الى جيهان متجاوزاً أي سيطرة كردية. يقول ريتشارد: "قد تكون هذه حركة جيدة من قبل بغداد، إذا تمكنت من الالتفاف حول الزاوية السياسيَّة مع حكومة إقليم كردستان".
 
المشاركة الروسيَّة
إنَّ عدم قدرة العراق على التصدير عبر الجنوب عن طريق البصرة بسبب المواجهة الأميركية – الإيرانية أو عن طريق الشمال بسبب التوتر بين حكومة كردستان والحكومة المركزية، وقدرته فقط على نقل النفط بكميات ضئيلة نسبياً غرباً الى إيران بواسطة الصهاريج، جعل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي يعلن بأنَّ الحكومة تدرس طرق التصدير عبر الأراضي السورية والأردنية. لكنْ واقعياً بالنسبة للوضع الأمني الحالي في سوريا، يبدو أنَّ هذا الخيار على الأكثر لا يمكن حدوثه لعدة سنوات. ومع أنَّ الخطة موجودة بالفعل، فإنَّ الأنبوب سيمتد على ما يقارب 800 كيلومتر من كركوك الى بانياس في سوريا عن طريق حديثة بطاقة استيعابية أولية تقدّر بـ0.3 مليون برميل يومياً.
وشاركت روسيا في الخطط الأولية هذه، أولها بدأت في العام 2007 لكن تم إلغاؤها عام 2009، عندما لم تحرز شركة Stroytrangaz الروسية التابعة لشركة Gazprom العملاقة للهيدروكربونات أي تقدم. والثانية تمت الموافقة عليها في أيلول عام 2010 وتضم بناء خطين ناقلين جديدين، الأول للخام الثقيل بقدرة مخطط لها لتكون 1.5 مليون برميل يومياً من منطقة بيجي الشمالية، والثاني للخام الخفيف بقدرة مخطط لتكون 1.25 مليون برميل يومياً ومن المحتمل أنْ تربط بالحقول الجنوبية مجنون والحلفاية وبدرة والأحدب وغرب بغداد.
ونتيجة هذه الخطط مثيرة للاهتمام، وكان موقع Oil Price قد حصل على تصريح حصري من كبار المسؤولين في وزارتي النفط العراقية والإيرانية، بأنَّ روسيا ستشترك بالمباحثات التي تركز على مشروع خط الأنابيب هذا، بما فيها تقديم كل التمويل اللازم الذي يتوافق مع الخطة الروسية – الإيرانية لسوريا ما بعد النزاع. وقال أحد المسؤولين: "إنه وفق هذه الخطة الى جانب نقل النفط العراقي الى سوريا ومن ثم الى أوروبا وآسيا، يمكن للنفط الإيراني التدفق خلال الأنبوب والطريق وجهات التصدير أيضا ذتها، وفي ما بعد نقل الغاز من حقل فارس الى سوريا ومن ثم الى
 أوروبا".
 
الخط العراقي – الأردني
والآن رغم أنَّ الطريق الأردني يعمل فعلياً إلا أنَّ بغداد والأردن حرصتا على الموافقة ببدء المشروع. ويؤكد ريتشارد "لقد رأينا هذا الإعلان كثيراً لكنْ لم يحدث شيء، فلا داعي للتحمّس كثيراً". ومع ذلك، فبحسب ما صرح به وزير النفط العراقي مؤخراً "لقد تم التصويت على مشروع الأردن من قبل مجلس الوزراء بعد الموافقة على تنفيذه مع عمّان وسيصل مليون برميل من النفط العراقي الى ميناء العقبة يومياً، ونحن حالياً بصدد دراسة عروض الاستثمار المقدمة من قبل الشركات الدولية التي ستقوم بإنشاء خط الأنابيب مقابل نسبة مئويَّة سيتم استقطاعها لكل برميل
 مُصّدر".
ومرة أخرى يتم وضع خطة مفصلة للغاية في الفترة التي سبقت بدء أحداث داعش، تُصوّر خط أنابيب مزدوجاً للغاز والنفط بين كل من العراق والأردن، وسيضخ الأنبوب المزدوج الذي سيبلغ طوله 1680 كيلو متراً وبتكلفة 4.5 مليار دولار مليون برميل من النفط يومياً و258 مليون قدم مكعب من الغاز من البصرة الى العقبة عن طريق حديثة. وسيتم استخدام ما يقارب 150 ألف برميل من النفط العراقي لسد الاحتياجات المحلية الأردنية، في حين يتم تصدير البقية عبر ميناء العقبة الى وجهات تصديريَّة مختلفة، ليحقق ما يقارب ثلاثة مليارات دولار سنوياً كعائدات للأردن والبقية تكون من حصة العراق.
 
عن موقع Oil. Price