منظومة الدفاع الجوي الغائبة

آراء 2019/09/02
...

صادق كاظم
 
منذ عام 2003 والعراق لا يملك منظومات للدفاع الجوي الحديثة التي يتمكن من خلالها من حماية اجوائه والمناطق الاستراتيجية المهمة في البلاد وربما يعزى السبب في ذلك الى قيام واشنطن باقناع القادة السياسيين في البلاد بانها ستتولى هذه المهمة من خلال تغطية طيرانها المستمر للاجواء العراقية مما جعل الحكومات العراقية التي تشكلت لاحقا تعزف عن فتح ملف تطوير سلاح الجو ومنظومات الدفاع الجوي وهو ما شكل مجازفة خطيرة لم تاخذ بالحسبان تقلبات المواقف السياسية وخطورة ان تبقى الاجواء العراقية من دون حماية 
وطنية.
لقد كشفت الهجمات الصهيونية الاخيرة على العراق وغض واشنطن البصر عنها والتي جعلت الاجواء العراقية مفتوحة امام الطائرات الصهيونية التي تسللت لعدة مرات الى داخل العراق عدم دقة وصحة الخيار العراقي بالركون الى واشنطن كليا في مسالة خطيرة وحساسة
كهذه. 
ومن المحتمل تكرار هذه الهجمات مستقبلا ان بقي العراق من دون منظومات حقيقية وفاعلة للدفاع الجوي.
لقد انتبهت الحكومة العراقية متاخرة الى ذلك وهو ما دفعها الى مراجعة حسابها والاهتمام بالحصول على منظومات دفاع جوي تغطي مساحات البلاد لمنع تعرضها الى اي هجمات جوية محتملة ,لكن الوصول الى ذلك يحتاج الى اختيار الانواع المناسبة من هذه المنظومات، اضافة الى اختيار الكوادر والقيادات المتقدمة التي تملك الخبرات الضرورية، اضافة الى تهيئة البنى التحتية والقواعد والمقرات اللازمة لذلك وهي كلها لحد الان غير مكتملة وباتت تحتاج الى مراجعة واهتمام 
ضروري. 
وبالاضافة الى شراء منظومات الدفاع الجوي فان العراق بحاجة ايضا الى شراء طائرات مقاتلة حديثة تضاف الى ما موجود لديه اصلا، خصوصا وان العدد الحالي يعد قليلا ولا يكفي لتغطية مهام حماية البلاد، خصوصا وان العراق واجه موقفا حرجا خلال احداث حزيران من العام 2014 حين تعرضت البلاد الى غزو عصابات داعش الاجرامية ولم يكن لدى العراق وقتها اي سلاح جوي فاعل وحقيقي مما اضطره لشراء طائرات مستعملة من طراز سوخوي 24 من اوكرانيا تم زجها بشكل سريع في مهام قصف وتدمير مواقع تلك العصابات الارهابية . 
تقدر حاجة البلاد الفعلية من منظومات الدفاع الجوي بحدود 5 - 6 منظومات متكاملة من طراز S - 400  الروسية الكفوءة والتي اخذت العديد من دول العالم تهتم بشرائها نظرا لفاعليتها وكفاءتها، اضافة الى منظومات الدفاع الجوي للاهداف الواطئة والمتوسطة، وهذه المنظومات بحاجة الى شبكة واسعة من الرادارات ومنظومات الانذار المبكر والمراصد، فضلا عن توفير اسلحة الدفاع الجوي الميدانية والمتنقلة لحماية قواتنا الامنية في مناطق انتشارها المختلفة. 
كانت البلاد تمتلك في السابق عددا من القواعد الجوية الرئيسة والثانوية بلغ 15 قاعدة جوية رئيسة جرى اهمال عدد منها لاحقا وقسم منها تحول الى مطارات مدنية وعملية اعادة ترميم هذه القواعد واصلاحها لتكون جاهزة لاستقبال الطائرات يعد ضروريا من اجل توفير حماية حقيقية للبلاد من اي تهديدات 
محتملة .
التقلبات والتغييرات في المواقف السياسية من قبل الدول الكبرى في عالم السياسية امر شائع ومألوف وعلى الحكومة العراقية ان تأخذ بنظر الاعتبار ان الاعتماد على واشنطن لوحدها في قضية سلاح الجو والدفاع الجوي امر ليس في صالح العراق وان عليها التحرك صوب دول اخرى للحصول على احتياجاتها الدفاعية من طيران ومنظومات للدفاع الجوي من اجل التحسب لمثل هذه التغييرات، اضافة الى ارتداداتها السلبية على القرار السياسي العراقي تجاه بعض القضايا التي قد تفرض مسايرة واشنطن حفاظا على العلاقات معها مع امكانية ان تشكل هذه الحماية الجوية ورقة ضغط  دائمية على الحكومة العراقية قد تجبرها على تقديم التنازلات لواشنطن وهو موقف استراتيجي ليس لصالح بغداد باي حال من الاحوال خصوصا وان العراق يقع في منطقة جغرافية مضطربة تشهد نزاعات وتوترات بشكل شبه 
دائم.
اعادة تشكيل قوات الدفاع الجوي بشقيه الوطني والميداني يحتاج الى جهود وامكانيات مالية وبشرية عديدة والى مقومات ادارية وتنظيمية تؤهل هذا السلاح للدفاع عن سيادة البلاد وامنها ومنع حصول اي تهديدات محتملة، فضلا عن المحافظة على السيادة الوطنية والقرار السيادي المستقل وللشروع بذلك يجب تحديد هذه الاحتياجات بشكل فعلي والاتصال بالدول التي تملك هذه الاسلحة والتفاوض 
معها.
الحاجة الى الاستقلالية والتحسب للتغييرات امر ينبغي ان يكون حاضرا لدى اذهان اصحاب القرار في اتخاذ الخطوات التي يمكن ان تحمي السيادة الوطنية وتجعل العراق في موقف قوي بعد ان اثبتت التجارب بان وضع الاوراق في سلال الاخرين سيجعل البلاد رهينة لاهواء سياسات تلك الدول واراداتها وعلى حساب القرار السيادي المستقل للبلاد وامنها.