عالية طالب
قصص مأساوية وبعيدة عن المعنى الانساني، تلك التي تغص بها دور ايواء النساء المعنّفات والتي تصر دور الرعاية على استلاب انسانيتهن فتضع لافتة تقول “دار تأهيل الاحداث الاناث المشرّدات”، ومن يقرأ عبارة تأهيل الاحداث سيتبادر الى ذهنه فورا أنّهن سجينات يقضين فترة عقوبتهن على جرائم ارتكبنها، فيما واقع الحال يشير الى انهن تعرّضن للاغتصاب أو التحرّش من المحارم أو للعنف من الاهل وزوجات الاخوة والآباء، ولم يجدن امامهن إلا الهرب طلبا للنجاة، فاكتشفن انهن استبدلن بيوت العنف بسجون لا يسمح لهن فيها بابسط الحقوق الانسانية ويتعرضن للشتائم والمعاملة القاسية والتحرش الجنسي، ولا يملكن القدرة والقوة على الشكوى والرفض والهرب مجددا.. ولنا بما حصل في دار الاعظمية مثالٌ حيٌّ على ما نشير اليه اذ ماتت ست نزيلات بفعل الحريق وتعرض غيرهن الى اصابات الاختناق والسبب الواقع المزري الذي وجدن انفسهن فيه.
سجن يسمى مركز ايواء، لا وسائل ترفيه ولا خروج ولا التقاء بالاخرين ولا تلفزيون بقنوات يحق لهن اختيارها ومواعيد نوم اجبارية وطعام لا يرغبن فيه حتى تبلغ سن الرشد فيكون عليها ان تغادر الدار وفقا للفقرة الثانية من نظام دار تأهيل الاحداث رقم (32) لسنة 1971 .. ستجد الفتاة نفسها بأمر قضائي ملزمة ان يتسلمها احد ذويها، واذا ما عرفنا ان سبب هروبها وقبولها بسجن الايواء هم هؤلاء الاهل الذين تعرضت على ايديهم للضرب والاغتصاب والتنكيل والعنف اللفظي والجسدي، فلنا ان نتصور شكل الحياة التي تنتظرها !!
وحين لا تجد أسرة تتسلّمها فسيكون امامها البقاء في الدار والعمل كخادمة فيه مقابل السكن والطعام ودون ان تاخذ اجرا على عملها، او ان يتم تزويجها بمن يتبرع بالقبول بها!!
هل الفتاة المعنفة سلعة بائرة لا يعرف المجتمع ولا القانون كيف يقوم بتأهيلها لتكون قادرة على إعانة نفسها والبدء بحياة كريمة ولماذا لا يتم تعيينها بأجر مستحق لتتمكن من تكوين أسرة باختيارها من دون ان تعرض كسلعة نخاسة على من يتبرع بقبولها !!
المرأة المعنّفة انسان له حقوق وعليه واجبات، ولها حق بثروات بلادها كمواطن يحمل جنسية الانتماء اليه، وعلى الدولة أن توفر لها راتبا شهريا ورعاية صحية ومكان سكن لائقاً، وليس ان تعرض لسوق الزواج او العمل بالخدمة وكأنّها كائن لا يستحق الحياة. الحياة والظروف التي أجبرت الفتاة ان تجد نفسها ضمن أسر غير مؤهلة ولا قادرة على التعامل الانساني والشرعي الصحيح لا يحق للمجتمع هنا ان يكمل معاقبتها لظرف لا دخل لها بايجاد سلبياته، والمفترض ان يكون لها عونا ومشجعا وقادرا على تأهيلها لتكمل دراستها وتعليمها ويجد لها مهنة معينة تساعد في تمكينها ولا تترك لتكون طعما سهلا لواقع متدنٍّ يعيد انتاج ظروف مأساة جديدة عليها ان تعالجها وحدها دون أهل ولا مؤسسة ولا دولة حامية.
المعنّفات اللواتي تسميهن الدولة مشرّدات هن شريحة تحمل اسم البلد ولا يمكن تجاهل وجودهن، وهن في تزايد وتواجد سلبي يتسبب بظواهر مرفوضة اجتماعيا وتربويا ولا يمكن ان تبقى الحال على ما هي عليه من دون معالجة قانونية عاجلة.