يخلط الكثيرون بين مفهومي الدولة والحكومة ولايفرقون بينهما فبالرغم من الرابط الوثيق بينهما الا انهما يختلفان من حيث الثبوت والتغيير والدولة مالكة والحكومة منفذة .
فالدولة تدار من قبل الحكومة لكنها ليست ملكا لها وهذا هو الاهم في الموضوع فالحكومات تتغير والدول تبقى والعراق ليس بدعا عن هذا الامر .واني من الجيل الذي وعى على نظام سياسي ربط بين الحاكم والدولة بطريقة (اذا قال صدام قال العراق !) وتحول الرفض للنظام الى كره للعراق في الوعي وفي اللاشعور وكان المواطن يرى ان مؤسسات الدولة ليست ملكا له وانما هي ملك (صدام) او الحكومة ولا اغالي ان قلت ان هذا الامر مازال في وعي المواطن البسيط فعندما يعبر عن رفضه لامر ما متعلق بالحكومة او النظام السياسي يلجأ الى الاضرار بمؤسسات الدولة ولا يعتبر او يعي انه بذلك يضر نفسه ويضر بقية افراد الشعب ...
وعودا الى حرب الكويت التي اسماها التحالف الدولي بعاصفة الصحراء كان البعض يتلذذ عندما يرى طائرات التحالف او صواريخه تدمر المنشآت العراقية والبني التحتية وبعد انتهاء الحرب بتدمير البنى الاساسية للكهرباء والمواصلات والاتصالات وغيرها شاهدت الكثير منا يوزع اشرطة الفديو التي صورت هذه الضربات التدميرية للدولة العراقية وكنت اقول لمن يدعوني للمشاهدة ما الذي يدعوني لمشاهدة ما حصل لبلدي من دمار؟ انها افلام مزعجة ومؤذية ولقد شاهدت فلما واحدا منها فقط ولم احتمل سوى دقائق منه وذرفت الدمع وتمتمت بجمل مع رفاقي وطلبت منهم ايقاف الفيديو.واستمر هذا الخلط بين مفهومي الدولة والنظام السياسي مع المعارضة ايضا وعندما كان احدنا يتحدث عن العراق وحبه للوطن ويتغنى بذلك يُتهم بانه مع النظام الصدامي !!.
وكانت هذه المعاناة مستمرة عندما نفرق بين اسقاط النظام واسقاط الدولة وبين معاقبة النظام ومعاقبة الشعب.
ولكن كان العقل الجمعي متوجها نحو الخلط بل ان الدول مجتمعة استفادت من هذا الخلط حتى يومنا هذا.وهكذا استسلمنا لمصطلح السقوط بدلا من انهيار النظام الصدامي وحتى موظفي الدولة وجيشها وبقية اجهزتها رضخت لذلك بما يتملكهم من شعور ان النظام هو الدولة ولم يزاولوا مهنهم الا بعد فترة وعلى مضض وكذلك لم تعترف الجماهير بذلك الا بعد حين !! ولعلنا ما زلنا نعاني حتى هذه اللحظة من هذا الامر فعندما يطالب احدنا بالالتزام الوظيفي ويتحدث عن القيمة الوظيفة والقانون تاتيك الصيحات او الهمسات (هذا يريد يرجعنا لايام صدام )!! ولابد من الاشارة الى ان الخطورة ليست هنا فحسب بل الخطورة تكمن في رؤية مثقفينا ورجال الراي الناقمين على الاوضاع فنراهم يصبون جام غضبهم على العراق وكانه اللعنة الابدية وهناك ضخ خارجي ايضا بستراتيجية معروفة تعمل على ذلك .ومايهمني بهذا المجال المثقف الوطني الذي يسعى نحو الافضل ونمنع من اشباع الراي العام بهذا الخلط .ومع الاسف يسقط بعضنا حالاته النفسية على الامر ولابد من المثقف او صاحب الراي ان يعي لذلك ولاينقاد الى ذلك بل عليه ان يقود وتكون زمام المبادرة بيده ولايكون جزءا من المشروع التسقيطي .
فالمعارضة او النقمة على الاوضاع لايعني تخريب البلد على طريقة (هي خربانة خربانة) فيجب ان نحمي الكيان والبلد ونفرق بين مؤسسات الدولة والنظام السياسي ولايعني هنا التخلي عن المبادئ او عن المعارضة اذا شاء ان يكون معارضا.فالعراق الذي نعيش تحت كنفه علينا صيانته والدفاع عن اركانه وحماية مؤسساته واي اعتداء عليه هو اعتداء علينا جميعا بل ان اي تخريب وسرقة لممتلكاته هو سرقة لنا جميعا.
اما ان كنا معارضين للنظام فالوسائل المتاحة كثيرة وهي تختلف عن التخريب والتدمير . فالعراق ملكنا جميعا وكثيرون حاولوا امتلاكه ولكنهم ذهبوا وبقى الوطن وسينهض كما نهض من قبل
والاوطان تحيى بشعوبها ومثقفيها الذين يملكون زمام المبادرة في توجيه الامور لصالح وطنهم ..