صادق كاظم
لثورة الامام الحسين عليه السلام ابعاد اجتماعية وثورية تاريخية عظيمة تتخطى حدود وحواجز الزمن من خلال ديمومتها وبقائها كمنصة ثورية متجددة يستلهم منها الثوار والاحرار في العالم اعظم المعاني والدروس في التضحية والفداء والثورة على الطغاة الظالمين .
كان القرار الذي اتخذه الامام الحسين باعلان الثورة والتحرك صوب الكوفة باعتبارها الولاية الاسلامية العريقة والكبيرة التي يظهر ابناؤها ميلا تاريخيا معروفا لاهل البيت (ع) وتقبلا لافكار الامام الحسين ومبادئ ثورته اكثر من غيرها من الامصار والولايات الاسلامية الاخرى مراعيا لاستحقاق الظرف الذي كانت تمر به الامة ,حيث الخلايا الثورية السرية التي كانت تنشط في تنظيم صفوف الجماهير وتهيئتها للانخراط في الثورة التي كان من المقرر اعلانها بعد وصول الامام الحسين (ع) الى الكوفة واعلان المدينة ولاية محررة ونقطة انطلاق للثورة الكبرى ضد حكم الطاغية الاموي
يزيد .
لقد كان التخطيط سليما ومناسبا لاشعال فتيل الثورة في ذلك التوقيت وجاء اختيار مسلم بن عقيل في محله ,حيث كان يمتلك الصفات والمؤهلات التي تجعل منه رجل الثورة السري الاول في الكوفة ,لكن انتباه الحكم الاموي لطبيعة الاوضاع والتحركات من خلال جهازها الامني السري في المدينة وتسرب المعلومات اليها عن خطط وتحركات الامام الحسين (ع) القادمة مكنها من القيام بتحرك اجهاضي مضاد من خلال تفكيك الجموع التي التفت حول مسلم بن عقيل واثارة الخوف والارهاب في نفوس اهل الكوفة الذين للاسف تخلوا عن الثورة وقبلوا التضحية بمسلم بن عقيل ,بل اتخذوا موقفا جبانا وانهزاميا عندما تركوه وحيدا يواجه القتل بشجاعة على ايدي جلاوزة الحكم الاموي وقتها .
كان القرار الثوري الذي اتخذه الامام بمواصلة المسير صوب الكوفة ومواجهة السلطة الاموية وكشف حقيقتها واجرامها واحدة من الخطوات العظيمة التي قادت الى الثورة التي اسهمت ايضا في فضح اجرام السلطة الاموية وكشف القناع الزائف عنها والتي كانت قد اعدت العدة مسبقا لقتل الامام وباي ثمن ,اذ وضعت خطة امنية تمثلت بالسيطرة على الكوفة واعتقال انصار الامام المهمين والبارزين فيها بعد تخلي وجبن باقي سكان الكوفة عن موقفهم المؤيد للثورة وتخليهم عن استعدادهم للمشاركة فيها ,فيما كان الشق الثاني من الخطة ارسال جيش اموي مسلح للقيام بمهة قتل الامام الحسين وجميع اهل بيته واصحابه بوحشية وقسوة في كربلاء ومن دون اي اعتبار لمكانة الامام ومنزلته الرفيعة في المجتمع الاسلامي .
لقد كان تسلط يزيد وتمكنه من الخلافة بشكل غير شرعي ومن دون اجماع كلي من قبل الامة على انتخابه من اهم الاسباب ,حيث كان فاقدا لجميع المؤهلات الشرعية التي تسمح باختياره خليفة للمسلمين ,اذ كان شخصا ماجنا شاربا للخمر ومجاهرا بالمعصية وغير عابئ باهمية الدين الاسلامي وجعل نظام الحكم عادلا وانسانيا كمنطلق لحكمه ,بل ان كل همه الانتقام من البيت النبوي وخصوصا رمزه العظيم المتمثل بالامام الحسين (ع) متخذا من هذا الثار وسيلة لتصفية الحسابات بعد الهزائم التي لحقت ببني امية خلال فترة الدعوة الاسلامية التي سقط فيها العديد من رموز بني امية قتلى كنتيحة طبيعية لموقفهم المعادي والمضاد للدعوة ومحاولة القضاء عليها باي
ثمن .
لقد حققت ثورة الامام الحسين الكثير من الاهداف بالرغم من مصرع الامام واستشهاده بتلك الصورة البطولية المؤثرة والحزينة وما رافقها من الطريقة البشعة التي عومل بها جسده الطاهر بعد استشهاده وقتل اطفاله الصغار بعد احراق المخيم الذي كان ياويهم التي كشفت وضاعة وانحطاط من قاموا بهذا العمل الاجرامي الشنيع ,حيث ظلت ثورة حية تتجدد عبر كل العصور بقيمها الثورية ومعانيها البطولية العظيمة وذلك عندما لم يرضخ الامام الحسين (ع) لارادات الظالمين ورغباتهم وفضل الشهادة والاصرار على التمسك بالمبادئ ورفض كل المغريات مهما كان الثمن . لقد خسر الامويون ولم ينتصروا يوم عاشوراء ,بل انهم كتبوا في ذلك اليوم بداية النهاية لحكمهم الاجرامي المستبد ,حيث توالت الثورات والانتفاضات التي قوضت العرش الاموي واطاحت به في النهاية رغم التصورات الزائفة بان القضاء على الامام الحسين وثورته سينهي كل الانتفاضات ومحاولات الثورة مستقبلا على النظام
الاموي .
لقد اعجب الكثير من المفكرين والقادة في العالم بمنهج الامام وثورته العظيمة ومنهم الزعيم الهندي (المهاتما غاندي) الذي وصف ثورة الامام الحسين بانها الثورة الوحيدة في العالم التي انتصرت فيها الدماء على السيوف ومن المؤكد بان اعجابه بهذه الثورة والتضحية الكبيرة التي قدمها الامام الحسين قد ألهمت غاندي بان يسلك النهج اللاعنفي في تاجيج الثورة ضد المحتلين البريطانيين وتخليص الهند وشعبها من سيطرة الاستعمار البريطاني الذي خيم على الهند لاكثر من
خمسة قرون .