الناقمون على الحكومة والخائفون عليها

آراء 2019/09/09
...

ابراهيم العبادي
 
اشتد ساعد الدعوات الرامية الى اصلاح حكومي سريع، بعض هذه الدعوات كان ينطلق من رؤية تشكيكية مسبقة بعدم قدرة حكومة توافقية على التعامل مع تحديات العراق الكبيرة والمتزايدة،  وبعضها الاخر كان ينتظر ماذا ستنجز هذه الحكومة خلال عام من عمرها ليحدد موقفه، بينما كان البعض الاخر قد حكم مسبقا على الحكومة من تقييمه للمواصفات النفسية والسياسية لشخوصها، والاشتراطات العديدة التي صاحبت ولادتها وظروف تشكيلها، في هذه الايام ومع اشتداد التناحر بين التيارات السياسية بشأن كيفية ادارة مشكلات البلاد، صار واضحا الصعوبات التي تواجهها الحكومة وامكانات صمودها من عدمه، اذا ما سحبت كتلة سائرون تأييدها للحكومة،  حيث باتت الانظار تتجه - كما هي العادة - صوب ملاحظات وتغريدات السيد مقتدى الصدر .
بعض اعضاء كتلة (سائرون) صار يتحدث علنا،  عن عدم رضا الكتلة عن اداء الحكومة ودرجة حزمها وحسمها للامور، وصار الحديث عن الاستجوابات والمساءلات علنيا، بينما  العارفون  ببواطن الامور،  يدركون مقدار المساهمة المؤثرة والكبيرة لكتلة (سائرون) ومفاوضيها في اخراج التشكيلة الحكومية بالصورة التي هي عليها، الان صرنا نسمع عن تعارضات وغضب وزعل هنا وهناك من ان هذه الحكومة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها لجميع الاطراف التي اتفقت على تشكيلها، فالذين تعاونوا  على تشكيل الحكومة، (سائرون والفتح ) ، باتوا على خط يتباعد كل يوم كلما ازدادت المشكلات السياسية ،  وظهر المزيد من صراع المواقع والنفوذ والادوار في الساحة العراقية، حماس الفتحاويين للحكومة لا يماثله رضا الاصلاحيين (نسبة الى تكتل الاصلاح)، ولهذا  تصاعد الخط البياني للرسائل المبطنة،  التي تنسب لزعيم التيار الصدري والمنضوين  لكتلة (سائرون) في تحذير الحكومة وربما تهديدها ايضا، لذلك تبدو محنة رئيس مجلس الوزراء كبيرة وهو يكابد صراعا يحتاج منه  الى لجم البعض ، واسكات اخرين، وتجريد فريق ثالث، وابعاد تكتل رابع، بينما بدت شخصية رئيس الحكومة ميالة بقوة الى ارضاء القوى المختلفة لتسير جنبا الى جنب في مركب واحد بناء على تصورات تفترض نجاح هذا التوجه، ما يعانيه رئيس الوزراء الحالي سيتفاقم بمرور الوقت، مع اشتداد صراع الفرقاء على السياستين (الامنية والدفاعية) والسياسة الخارجية، فحيث يدير السيد عادل عبدالمهدي السياسة الخارجية بهدوء ويعمل على السير وسط حقول الغام شائكة، يجد  صراع  المحاور في المنطقة، تجليات واضحة في الساحة العراقية، تتمظهر بوضوح في حقلي الامن والدفاع وبناء المؤسسات، فكلما تصاعد الضغط الاميركي على محور المقاومة والممانعة، كلما رد هذا المحور بخطوات ومواقف بعضها محرج للحكومة،  وبعضها الاخر مثير لحفيظة قوى داخلية عراقية، وبتراكم هذه المواقف تزداد وعورة الطريق امام الحكومة،  وتصبح بحاجة الى دعم واسناد داخلي وخارجي لمواصلة مهمتها، بغير هذا الدعم ستجد الحكومة نفسها امام طريقين لا ثالث لهما، اما ان تتخلى عن مهمة ادارة البلد وترفع يد الاستسلام للضغوط، او تتحرك باتجاه يكسر منطق التوافق وتختار تغليب منطق سياسي على اخر، مما سيدخلها في مواجهة مكشوفة مع احد طرفي الصراع .
منذ التغيير وحكومات العراق تتشكل بتوافق ضمني او صريح بين واشنطن وطهران، ولم تجد حكومة نفسها في وضع خال من الضغوط، او التحرك خارج معادلة التوازن هذه، وهي معادلة تستدعي حكمة سياسية عالية لادارة تناقضات الداخل  ايضا، بمعنى ان لا غنى لاي حكومة عن  نيل موافقة ضمنية من النجف ومن الفاعلين السياسيين الشيعة والسنة والكرد، واذا اضطربت معادلة وتوليفة التوافق هذه، ستسير  الحكومة  بطريق مليء بالعثرات والصعوبات وهي مكشوفة ومعرضة لهجمات وتشكيكات الناقمين وغير الراضين والمنقلبين على التحالفات والتوافقات .
الايام القادمة ستكشف حجم الضغوط والمناورات التي تلجأ اليها الاطراف المختلفة،  وهي تسعى لتغليب هذه الرؤية على تلك، الساعون لتقوية موقف الحكومة والمحرضون على اضعافها، والاضعاف هنا يأخذ اشكالا مختلفة، لعل ابرزها منازعتها سلطاتها،  ودفعها للانحياز والخروج على خط التوازنات، واظهار السياسات بمظهر المختلف عليها، ناهيك عن السعي المكثف لبناء دولة عميقة  داخل الدولة، ومؤسسات موازية ومتوازية تتنازع الصلاحيات والاوامر، وسيظل هذه الصراع الخفي والمعلن،  الاكثر خطرا والاشد اضعافا للدولة العراقية وصورتاها  الداخلية والخارجية. 
بما يزيد من انعدام الثقة بين المواطن الذي ينتظر اداء حكوميا ناجحا وبين الحكومة المحاصرة بكم كبير من المشكلات المقيدة لحراكها .