في هذا الشهر من كل عام وفق التقويم الهجري ، يحيي العراقيون ، كما هو دأبهم ، ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ، وهي الحادثة التي هزت وجدان التاريخ لتنحت مناسبتها شفقا أحمر في سماوات الذكرى
المتجددة.
ليست مصادفة أن يختار الإمام الحسين العراق مكانا لثورته، وارضاً تنبت فيها ذكرى انتصار العطش على الماء والدم على السيف وصرخة ( لا) المدوية بوجه كل كلمة ( نعم) مسلوبة ؛ وأقول ليست مصادفة لأن الإمام اختار عاصمة أبيه مقرا لإطلاق اعظم ( لا) في التاريخ .
كان الحسين يريد الحرية حتى لأعدائه بقوله ( كونوا احرارا) ، ولا سيما تلك الحادثة التي لم يجسدها سواه ، وأعني بها أنه كيف للمرء أن يبكي على من ينوي قتله !! .
المعاني الإنسانية العظيمة التي يجب أن تستوحى من ثورة الإمام الحسين معان عظيمة ، لكن مازال بعضنا لا يتذكر هذه المعاني الا في شهر محرم الحرام ، ولو عملنا بما يريد الحسين لصار لحياتنا مسار آخر؛ فالحسين ليس دموعاً مؤجلة تنتظر موسمها لتنهمر ؛ وهو القائل ليس لمثلي أن يبايع مثله ، وهيهات منا الذلة، فهل انتبهنا للمقولتين ؟ وهل حاولنا أن نجعلهما منهجا
وسلوكا ؟ .
ثار الحسين عليه السلام ممثلا لكل الطهر والنقاء ضد كل أشكال الجبروت والفساد؛ بينما نحن نسمع ونرى وأحيانا نصطحب المشهورين بالفساد، ولا نتذكر الحسين الا في شهر استشهاده مطلقين العنان للدمع، وكأن حال بعضنا يعبر عن الندم المؤقت والتكفير عن سلوكه، وما أن ينتهي الشهر حتى يعود كل امرئ إلى ما كان عليه من سلوك ، لينتظر عاما آخر ويعاود الندم والتكفير عن الذنب .
علينا أن ندرك حين نبكي الحسين ماهية رسالته ؛ فالذي أطعم الموت خير البنين وظل شاهدا على تصاعدهم شهداء إلى ربهم، حتى اطمأن على وصال الدماء بين الأرض والسماء، فالتحق بهم معانقا الخلود إلى يوم الدين، لا شك أن على من يبكيه او يرفعه راية ومثالا أن يقترب ولو بقدر يسير مما يريد
الحسين.
يريدنا الحسين احرارا ، ويريدنا أن نصرخ لا بوجه الظلم والفساد، فهل نحن مستجيبون لما يريد الحسين أم اننا بصدد إحياء طقوس الذكرى لا معانيها السامية .
الوقت عاشوراء ، والحسين يذكرنا بالرفض، فهل لنا أن نبدأ بلاءات بسيطة بوجه الفساد والفاسدين، وذلك أضعف
الاخلاص.