حسين الصدر
هناك شرائح أربع لا تخلو منها المجتمعات البشرية كلها
1– المصلحون الرساليون
2 - المستبدون الظالمون
3 - أعوانهم من السلطويين الانتهازيين
4 - الطامحون الى تولي المناصب العليا والدرجات الرفيعة
وهذه الشرائح بعينها هي الشرائح البارزة في ملف الطفوف
فالإمام الحسين (ع) هو المصلح الخالد الذي كشف بكل وضوح عن منهاجه حين قال :
{ اني لم أخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله (ص) أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير مسيرة جدي وابي ...}
والاصلاح كلمة تلخص الاسلام كله :
اصلاح النفس بالعقائد الحقّة .
واصلاح المجتمع بإنقاذه من الظلم وتمكينه من العيش الحر الكريم ضمن تفعيل الموازين .
واصلاح الامة بالنهج الرباني الذي يداوي عِلَلَها
ويشبع حاجاتها .
وهذا ما عمل عليه الامام الحسين عليه السلام وجاهد من أجله وقدّم فيهِ التضحيات الجسام الفريدة .
وسار على دربه ونهجه المصلحون والثائرون.
وما من ثورة للإصلاح والانقاذ بعد يوم الطف وحتى اليوم إلا وهي مدينة لثورة الامام الحسين عليه السلام
وما مواقف المرجع الامام الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر الاّ فصل من فصول الثورة الحسينية المباركة .
قلت مخاطبا الامام الشهيد الصدر :
كتبتَ لكنْ بزكيِّ الدماءْ
ملحمةً فصولُها كربلاءْ
تناغمتْ والطف في روحها
وضارعَتْهُ في النَدا والنداءِ
الى الحسين السبط تُنمى دماً
وطاب من ثروتك الانتماءْ
وكبّر المجد لها هاتِفاً
إنَّ لواء الصدر نَفْسُ اللواءْ
وها هي قوافل الاحرار تواصل أشواطها الاصلاحية مسترشدة ومستلهمة عطاء الامام الحسين عليه السلام الثرّ، ومنهجه المحمدي الأصيل في الاصلاح، حفاظاً على الرسالة ، ودفاعا عن المقدسات، والانسانية المعذبة على يد الطاغوت والجبارين .
- 2 -
أما الاستبداد والطغيان ( فيزيد بن معاوية) رمزهُ وعنوانُه الكبير ، وقد جمع المعايب والمساوئ كلها ، لا في التسلط والتجبر فحسب بل في البذاءات والخسة، وتقطيع أوصال المكارم والأخلاق ، هذا فضلاً عن الانحطاط العقائدي والاخلاقي .
وموقفه من ريحانة رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة عليه السلام يكشف للعيان حقيقته المتوحشة، وتنكره البالغ لله وللرسول ولأهل بيته وللقيم الانسانية كلها
واذا كان الامام الحسين “ع” فريداً في سماته ومواقفه فانّ أضراب يزيد من الحكام موجودون
فقد استُنْسِخَ { يزيد } وكثُرتْ تلك النسخ حتى قال الشاعر :
{ يزيدٌ } قضى وانقضى عصرُه
ولكنْ بُلينا بألفِ يزيدِ
- 3 -
وكما سلّط يزيد بن معاوية ابن زياد على رقاب المسلمين في العراق وأوكل اليه الا يترك الحسين حيّاً الاّ اذا بايعه فاجترحت مجازر كربلاء وأثخنت أهل البيت بجراح لا ،فكذلك هم اليزيدون من الحكام يبحثون عن أمثال ابن زياد ويوكلون اليهم مهمات الاذلال للأمة وابتزازها حقوقها وحريتها وكرامتها ولا تجدي الشكوى فهم بمعزلٍ عما صنعه ابو عبد الله الحسين فلن تهز عروشهم وكراسيهم كلمات الشكوى والألم انما تهزهم في الصميم وتطيح بكراسيهم غضبات الجماهير وانتفاضاتهم الباسلة .
ولا يكترث الطغاة بالأحياء الأموات .
- 4 -
والآن نأتي الى الشريحة الرابعة شريحة الطامحين الى الصعود والراضخين للشروط الصعبة المهلكة :
هؤلاء مَثَّلَهُمْ (عمر بن سعد) حين قبل بولاية الري مقابل قتال الحسين “ع” لقد كان متردداً للغاية في المضي لكربلاء وقيادة الجيش الأموي حتى قال:
أأتركُ ملكَ (الريِّ) والريُّ منيتي
أَمْ أرجعُ مأثوماً بِقَتْلِ حُسينِ
ثم قال :
يقولون إنّ الله خالقُ جنّةٍ
ونارٍ وتعذيبٍ وغلِّ يدينِ
فانْ صدقوا فيما يقولون انني
أتوب الى الرحمن من سنتينِ
وكشف بذلك عن الخواء الروحي الكبير والاهتزاز النفسي الشديد ولكنه سعار حب الدنيا والاستحواذ على المنصب والجاه والنفوذ واشباع الشهوات المحمومة ، وقد حذره الامام الحسين “ع” من قبول الولاية وأكدّ له انه لن ينالها ولكنه لشقاوته وحقارته قاد الجيوش الاموية لمحاربة الله ورسوله عبر محاربته للحسين
والسؤال :
ماذا كانت النهاية ؟
كانت أنْ يبوء بالجرم الفظيع وان يحرم من الولاية
وأنْ يُلعن الى يوم الدين .
والحقيقة :
علينا أنْ نسأل أنفسنا :
لو عُرضت علينا المناصب الحسّاسة مشروطة بشروط صعبة هل نبادر الى الرفض ؟
أم نقبل على ان نتوب قبل الموت بسنتين كما صنع عمر بن سعد ؟
لابد ان تكون في موضع الاختبار لأنفسنا على الدوام
فالإمام الحسين “ع” قال
{ الناس عبيد الدنيا }
فهل نحن عبيد للدنيا أم نحن عبيدُ اللهِ الواحدِ الأحدِ الذي دعانا الى نصرة الحق والثبات عليه؟