خطوة شجاعة تنماز بالنبل والنزاهة، حين يقرر الوزير الاستقالة لعدم توفر المناخ المناسب لانسيابية العمل او على الاقل الاستمرار بتوفير الخدمات واحتياجات المواطنين في أضعف الاحتمالات !!؛ لكن هل الوزارة بوزيرها ؟ وهنا لا أحدد وزارة بعينها، فالأمر يسري على كل الوزارات.
العمل الاداري الحكومي يثبت نجاحه أصغر مسؤول في الوزارات، وليس الوزير حصراً؛ فقد تنتهي دورة حكومية كاملة ولا يرى الموظف وزيره، فكيف يراه سائر الناس؟ والأمر صار مألوفاً جدا، ووسائل الاعلام تحدثت ومازالت تتحدث عن تلكؤ البريد الوزاري في مكتب هذا الوزير او ذاك؛ لذلك ليس بالوزير وحده تعمل الوزارة؛ بل يأتي الانطباع الطيب، وعلامات الرضا والقبول، عن طريق سلوك المسؤول الميداني الذي هو على احتكاك دائم مع شؤون وشجون الناس.
فحين تمر في شارع نظيف خال من المطبات والحفر، ستشيد بأمانة بغداد، وهذه الاشادة يوفرها مدير البلدية، وحين يكون المرور منسابا جدا، من دون أي اختناقات، ستشيد بوزارة الداخلية، وتوفر هذه الاشادة مديرية المرور؛ وهنا يكون الوزير جيدا جدا، دون أن يلتقي بالناس الذين لايعرفون شيئا عن اكداس البريد في مكتبه، التي تهم مصائرهم وربما لايدري الوزير نفسه بها، حين يتصرّف مدير مكتبه او أي موظف فيه ويتسبب بالتلكؤ.
وإذن، فنجاح الوزير هو نتيجة لتعامل كلّ كادره المحتك بهموم المواطن وليس للمواطن شأن باجتماعاته في مجلس الوزراء او ظهوره في التلفزيون، وهو الظهور الذي قد يسبب له حرجا كبيرا في حال تقصير كادره الميداني. لعلّنا نشكر وزير الصحة على شجاعة الاستقالة، ولعلنا نذكره بهامش له بعد ايعاز السيد رئيس الوزراء بعلاج أحد مرضى السرطان خارج العراق، وهو الهامش الذي نام في خانة الروتين وفقرة (تعال باجر) او (راجع بعد اسبوع) حتى مر شهران على هامش معاليه ليتحول الأمر من علاج خارج العراق الى فحص خارج العراق لايكلف داخل العراق مليون دينار عراقي !! وهو ماحدث للشاعر سلمان داود محمد؛ فهل من المعقول ان ينتظر مريض السرطان شهرين كاملين ليتحول الأمل بالعلاج الى مجرد فحص؟، مع ان هامش معالي وزير الصحة كان من نوع (عاجل جدا)؛ هذا ما أعنيه بأن الوزارة بموظفها المحتك بالناس لا بوزيرها الذي قد لا يراه حتى موظف الوزارة!؛ وهو الأمر السائد في اغلب الوزارات، لاسيما اننا منذ سنوات نتعايش مع وزارات تدار بالوكالة.
الوزير ليس كل الوزارة، وحتى يكون كل الوزارة عليه ان يكون ميدانيا وان يرفع الحواجز بينه وبين موظفيه، وبينه وبين الناس، وربما هو ضرب من الأحلام، فالمواطن الذي يراجع من الشباك، بينه وبين الموظف عشرات الحواجز النفسية والروتينية، فكيف له ان يرى الوزير بلا حواجز، وماذا بوسع الوزير ان يقدم اذا كان كادره الميداني لايعكس صورة طيبة عن الوزارة ووزيرها.