شخصياً أحب تلك الاستقالات المصيرية التي تنقل حياة شخص من مكان الى مكان آخر. أحب استقالة بوذا الرائعة كأمير مترف انسحب بحثا عن الحياة الحقيقية التي تشعره بأنّه حر الى أبعد الحدود. ابتعد بوذا عن دائرة حياته بعد تجربة مؤلمة، وكان الحل كما راه هو ترك كلّ شيء من اجل الحصول على حياة أخرى.
ربما لم نستطع حتى الآن فهم فلسفة الاستقالة. لكن دعوني أتحدث قليلا عن مغزى هذه الاستقالة، وكيف أنّها ترسل لنا رسالة خطيرة جداً.
سأقول إنني أحببت استقالة التكنوقراط علاء العلوان لأنّها تذكرني بخطوة بوذا الجريئة. وعلى الرغم من اختلاف الموقفين الواضح فأنا اريد ان أشير الى العبرة الاخلاقية لموقف الحكيم الهندي ووزير الصحة.
ما يؤسف له في الحقيقة هو انشغال وسائل التواصل الاجتماعي بحرب كلامية بطلها نوعان من المغرّدين.
النوع الاول، هم اولئك الذين صفقوا للاستقالة تصفيقا حارا لانها في نظرهم تعد رفضا لما يجري من اخطاء سياسية. كما ان كل المعجبين باستقالة الوزير يشعرون أنهم غير وحيدين في نقد التلكؤ وتدخلات البعض ممن يريدون للحكومة ان تفشل.
اما النوع الثاني فهم اولئك الذين يرون في استقالته عملا لا فائدة منه وكأنّهم يريدونه أن يبقى في منصبه. ومن يفكر بهذا الشكل يعتقد ان الانسان كائنٌ بلا موقف. وان البقاء في مكان يسلب الوزير قدرته على العمل بسبب التدخّل - كما اشار الوزير المستقيل - لا يمثل اية مشكلة. لكن هذه الضغوط والتدخلات تعني الكثير لأي وزير لديه كفاءة وثقافة ترفعه الى ما فوق أبهة المنصب.
سيكون كلام الكاتب حسن العلوي مهما للحديث عن مغزى استقالة العلوان، وكذلك خطورة هذه الاستقالة.
أشار العلوي في احد حواراته الى ان حكومة عبد المهدي هي افضل حكومة منذ 50 عاما. وان اغلب الوزراء هم من التكنوقراط. هذا ما قاله العلوي مدافعا عن اكثر وزراء حكومة عبد المهدي. وهذا يعني اننا امام حكومة تعرف ماذا تفعل لكن كيف نفهم الصفحات التي قدمها كتفسير لاستقالته، وهي صفحات بليغة في علم تبرير ترك المنصب.
إنّ مغزى الاستقالة هي ان السيد الوزير يريد ان يعود الى شخصيته التكنوقراط التي لا يحدها المنصب كقيد من نار. هنا نحن امام مغزى اخلاقي لا يختلف كثيرا عن ترك بوذا لقصره وجواريه وامتيازاته. الامر نفسه حدث في هذه الاستقالة. انها وقفة ضد اي تدخل للبقاء في ثوب التكنوقراط الذي لا يساوم.
أما خطورة هذه الاستقالة فهي تعني ان التكنوقراط لن يقدم اي حل لازمة البلد. وكل ما كان يقال عن فائدة المجيء بوزراء تكنوقراط لم يكن دقيقا. فها هي حكومة عبد المهدي باعتراف العلوي أنموذجا لحكومة كفاءات علميّة إلّا أنّ أول وزرائها يقدم استقالته التي قدمها في 19 شباط الماضي لكن عبد المهدي رفضها.
إذن هي رسالة خطيرة تقول إن باب ترك المنصب قد فتح الان، وان الوزير يسعى للبقاء أمينا على روح التكنوقراط المستقلة.