اسطنبول / فراس سعدون
تمسكت أطراف قمة أنقرة الثلاثة تركيا وروسيا وإيران بوحدة سوريا، وسيادتها، والالتزام بمبادئ الأمم المتحدة، والاتفاقات المبرمة في القمم السابقة، ومسار آستانا، للتوصل إلى حل سياسي للصراع المتواصل منذ العام 2011، يتضمن مباشرة لجنة صياغة دستور سوري جديد لأعمالها في جنيف، والتهيئة لانتخابات لاحقة، على وقع استمرار محاربة التنظيمات الإرهابية، وحماية المدنيين، وإعادة المهاجرين والنازحين.
أهم مضامين البيان الختامي
ونص البيان الختامي لقمة الرؤساء رجب طيب اردوغان، وحسن روحاني، وفلاديمير بوتين، على «سيادة سوريا، واستقلالها، ووحدتها، وسلامة أراضيها»، وتشديد الرؤساء على «الالتزام القوي بمبادئ الأمم المتحدة».
ونقل البيان تصميم الرؤساء على ضمان التهدئة في إدلب، واتخاذ خطوات للحد من الانتهاكات، مع مواصلة التعاون للقضاء على عصابتي داعش والنصرة الإرهابيتين.
وعبّر البيان عن اعتقاد القادة بأن النزاع السوري من الممكن أن ينتهي عبر عملية سياسية تتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، وتحت رعاية الأمم المتحدة، وأبدى رضاهم عن انتهاء عملية تشكيل اللجنة الدستورية، واستعدادهم لتسهيل بدء أعمالها في جنيف.
وأدان بيان القمة «قرار الإدارة الأميركية الخاص بهضبة الجولان السورية المحتلة». وعدّ الهجمات الإسرائيلية على سوريا مزعزعة للاستقرار، ومنتهكة لسيادة البلد، وسلامة أراضيه، ومؤججة للتوترات في المنطقة.
ورفض البيان «أي مبادرة لخلق حقائق جديدة في الميدان تحت ستار مكافحة الإرهاب، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة في سوريا»، مؤكدا «ضرورة التصدي للأجندات الانفصالية التي تهدف لإضعاف سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وتهدد الأمن القومي لدول الجوار».
ولفت البيان إلى وجود حاجة ماسة لزيادة المساعدات الإنسانية الموجهة للسوريين وتخفيف معاناتهم، مناشدا المجتمع الدولي لتقاسم عبء العمل الإنساني، وتسهيل العودة الآمنة والطوعية للاجئين والنازحين.
وأورد البيان ترحيب القمة بمشاركة العراق ولبنان كمراقبين جديدين في مباحثات «أستانا»، وقرار انعقاد القمة الثلاثية المقبلة في إيران بناء على دعوة من الرئيس روحاني.
الموقف التركي
ووصف إردوغان، في مؤتمر صحفي مع بوتين وروحاني، اجتماعات القمة بأنها «كانت مثمرة ومفيدة إذ تم اتخاذ قرارات مهمة لحل الأزمة السورية».
وأكد الاتفاق «وحدة الأراضي السورية، وإيجاد حلول جذرية سياسية ودبلوماسية، ومكافحة العصابات الإرهابية».
وقال الرئيس التركي إن «محافظة إدلب احتلت المرتبة الأولى في نقاشاتنا، كما ناقشنا صياغة الدستور الجديد، مع مراعاة الأمور السياسية والدبلوماسية... إعادة صياغة الدستور بمشاركة الأمم المتحدة ستكون بآلية سريعة، وبإمكاني القول إن جميع العراقيل والمشاكل أزيلت».
وذكر الرئيس أن «النقاشات تناولت التركيز في منطقة شرق الفرات، والتحذير من خطر العصابات الإرهابية هناك»، مجددا التنبيه بأن «تركيا لن تسمح بوجود التنظيمات أو إنشاء ممر إرهابي في الشمال السوري» في إشارة إلى الوجود الكردي المسلح في تلك المنطقة.
وصرّح اردوغان «قدمنا رؤية تركيا لإنشاء المنطقة الآمنة، واتفق الرئيسان معي على تشكيل هذه المنطقة»، مؤكدا «ان لم تقم الولايات المتحدة باتخاذ الخطوات العملية فإن الجمهورية التركية ستعتمد على نفسها في بناء المنطقة».
وأفاد مضيّف القمة بأن «تركيا ضيّفت منذ بداية الأزمة قرابة 4 ملايين لاجئ سوري، ولم تعد قادرة على إدارة أزمة اللاجئين وحدها».
الموقف الروسي
وقال بوتين في المؤتمر الصحفي: «تم اتخاذ قرار بصياغة الدستور، وتشكيل لجنة لذلك». وواصل «نتحرك ونرتكز على هذه النقطة، ولا بديل عن صياغة الدستور. بذلنا قصارى جهودنا لتشكيل اللجنة سواء من الحكومة أو المعارضة». ولفت إلى أن «من سيصيغون الدستور مواطنون سوريون يجب عليهم ألا يتعرضوا لأي ضغط من أي سلطة أو دولة خلال عملهم»، منبها «لربما تسعى بعض الأطراف للضغط على اللجنة، أو تهديدها ومحاولة إنهائها. يجب على جميع الدول أن تدعم هذه اللجنة لأنها تحقق المصلحة العامة لسوريا».
وكشف عن السعي «لإدماج سوريا مرة أخرى في المنطقة العربية، وإعادتها إلى جامعة الدول العربية».
وتطرق الرئيس الروسي إلى مناقشة مستجدات محافظة إدلب «هذه المنطقة الآن تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية، ولا يمكن أن نبقى صامتين ومتفرجين فيها».
الموقف الإيراني
وأعلن روحاني في المؤتمر الصحفي «نحن متفقون على إيجاد حلول للأزمة السورية مبنية على وحدة الأراضي السورية، ومتفقون على عدم تدخل الدول الأجنبية في سوريا».
واتهم الولايات المتحدة بأنها «تقدم الدعم للتنظيمات الإرهابية، وهدفها تقسيم الأراضي السورية، وهذه النوايا غير الحسنة لن تؤدي إلى نتائج إيجابية لسوريا أو المنطقة ... منطقة شرق الفرات الآن ليست تحت السيطرة السورية».
وأضاف أن «الولايات المتحدة تدعم إسرائيل لقصف سوريا بالقنابل والصواريخ، واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وهذا اجراء لا يمكن تقبله بأي قانون دولي».
وأفصح الرئيس الإيراني عن الاتفاق على «مكافحة التنظيمات الإرهابية، والتعاون المشترك ضدها». وتساءل «ألا تكفي 9 سنوات؟ يجب أن نسعى من أجل الوقوف أمام العمليات ضد المدنيين ... يجب علينا إعادة الأمن إلى سوريا لعودة جميع أطياف الشعب إليها».
أبعد من القمة الثلاثية
ورأى ماهر الحمداني، الباحث المتخصص في الشؤون التركية، أن «أنقرة منخرطة في عملية معقدة للغاية لإيجاد تسوية في منطقة إدلب ومنطقة الشمال السوري / الجنوب التركي؛ وهي عملية تتطلب توافق عدد كبير من الأطراف».
وبيّن أن «أنقرة التقت مع طهران وموسكو، لكنها قريبا ستنخرط في قمة أوروبية بشأن سوريا لأطراف كبرلين وباريس وربما لندن».
وقال الحمداني، لـ»الصباح»، إن «كل هذا يجري بالتوازي مع مفاوضات معقدة وصعبة تخوضها أنقرة مع واشنطن لإيجاد المنطقة الآمنة التي تروم تركيا من خلالها أن تتجنب خطرين داهمين تراهما الأول خطر الحركات المسلحة الكردية في الشمال السوري، والثاني خطر أزمة نزوح كبيرة تنتظر على الحدود الجنوبية لتركيا، وهي أزمة قد تحمل معها الكثير من التحديات الداخلية والأمنية، إذ ربما يتسرب منها العديد من المقاتلين الأجانب، وهذا جزء يهدد الأمن القومي التركي».