إيران تبني خزينها من البطاطا

اقتصادية 2019/09/20
...

اوستن بوديتي
ترجمة: بهاء سلمان
عندما أراد منتقدو الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد استهدافه قبيل انتخابات سنة 2009 الرئاسية، كانوا يرددون بصوت عال: “الموت للبطاطا!”، في اشارة لتأريخ هذا الزعيم المثير للجدل في توزيع هذا النبات الجذري بين المناصرين. “سننشد، “لا نريد البطاطا” هكذا يستذكر جوناثان سامياخ، المعارض الإيراني لنجاد، الذي غادر السلطة سنة 2013؛ ومن حينها اختفت البطاطا من الساحة السياسية الايرانية.
لغاية الآن، هذا هو الحال. ومع خنق العقوبات الأميركية للاقتصاد الايراني، تتطلع البلاد بشكل متزايد للبطاطا كبديل فعّال من ناحية التكلفة للواردات الايرانية التي أرهقت كاهل الكثير من الايرانيين. سنة 2017، استوردت ايران 1,2 مليون طن من الرز، و1,3 مليون طن من الشعير، و9،5 مليون طن من الذرة، لكن العديد من الشركات الزراعية العملاقة اوقفت منذ ذلك الزمن مبيعاتها لإيران خشية من خرق العقوبات الأميركية. وفي شباط الماضي، أظهرت صور وقوف الناس العاديين مرغمين في طابور طويل طلباً للحم المجمّد المدعوم بسبب ارتفاع الأسعار.
ووسط خضم القلق المتصاعد حيال النقص في الغذاء، تعمل الحكومة الايرانية على مضاعفة انتاج البطاطا لتأمين توفير هذه الخضراوات الغنية بالكربوهيدرات لجموع الناس، مع سعيها لامتصاص تهديد حصول اضطرابات اجتماعية بسبب الأزمة الاقتصادية، حيث زاد الانتاج المحلي بنسبة فاقت العشرين بالمئة منذ سنة 2009، اذ وصل بشكل مستمر سنوياً الى خمسة ملايين طن متري منذ 2015، ماجعل البطاطا غذاء تعتمده الدولة في هذه المرحلة من الأزمة.
وشهدت محافظات عدة زيادة في الانتاج العام الماضي، من بينها تشهارمحال وبختياري وهمدان وخراسان وغرب اذربيجان. وفي تموز الماضي، قال وكيل وزير الزراعة الايراني ان المزارعين يتوقعون انتاج 5,1 مليون طن هذه السنة، رغم الفيضانات التي أضرّت بأجزاء كثيرة من الأراضي الزراعية للبلاد، بضمنها أكثر من ستمئة ألف هكتار في محافظة غولستان لوحدها. ولو لم يحصل الفيضان، لكانت ايران تتطلع لتحقيق رقم قياسي في انتاج البطاطا.
 
تجارة رائجة
بالوقت نفسه، يعمل فريق أبحاث ضمن محافظة اردبيل على دراسة كيفية زيادة الانتاجية. وحظرت الحكومة  في شهر اذار الماضي استيراد البطاطا لتأمين وصول هذه الكميات للأسواق المحلية، التي صارت تعوّل بشكل أكبر على الخضراوات الرخيصة الثمن. يقول هوشانغ أميراحمدي، استاذ التنمية الدولية لجامعة روتجيرز وخبير بالاقتصاد الإيراني: “لطالما شددت السياسة الزراعية لإيران على الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي بسبب الخوف من ان تؤدي العقوبات الاقتصادية الى خنق البلاد. ولأن البطاطا محصول سهل الزراعة، فهو يلائم هذا الانموذج، وصار سلعة رائجة لدى الطبقة المتوسطة الأدنى.”
ويعتقد بوصول البطاطا الى بلاد فارس لأول مرة في بداية القرن التاسع عشر، حينما جلبها دبلوماسي بريطاني، لكنها باتت منذ ذلك الحين مكوّناً أساسياً في العديد من الأطباق الشعبية الإيرانية. اليوم، لدى إيران نحو أربعمئة ألف هكتار من الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة البطاطا، متفوّقة بذلك عن ولاية إيداهو التي تزرع هذا النبات ضمن 313 ألف هكتار، وهي الولاية الأميركية الرائدة بهذا المحصول؛ وتتبوأ ايران المركز 13 عالمياً من حيث انتاج 
البطاطا.
وعمل الانخفاض الذي تتعرض إليه العملة المحلية لايران خلال السنين الأخيرة نتيجة العقوبات الأميركية على جعل بيع البطاطا من قبل التجار الايرانيين خارج البلاد ذا مردود ربحي أكبر، حيث يدفع لهم بعملات أكثر استقراراً. يقول محمد بخشودي، رئيس قسم الاقتصاديات الزراعية بجامعة شيراز: “انخفاض قيمة العملة يشجع على تصدير المنتجات الزراعية الى الدول
المجاورة.” 
وارتفعت صادرات ايران من البطاطا 12 بالمئة من 2017 لغاية 2018، متحفزة بارتفاع أسعار الغذاء داخل البلاد،  الذي جعل حتى البطاطا مكلفة للغاية على الكثيرين. يقول جواد أصفهاني، استاذ الاقتصاد بجامعة فيرجينيا والزميل الأقدم لدى مؤسسة بروكنغز: “يمكن للتجار الايرانيين كسب المزيد من المال بنسبة كبيرة ببيعهم البطاطا للعراق بدلاً من داخل ايران.”
 
محصول مصيري
ولهذا السبب صار حظر تصدير البطاطا أمراً عصيباً بالنسبة لحكومة الرئيس حسن روحاني، التي تسعى للحفاظ على سعر البطاطا تحت السيطرة. وحتى مع تضاعف الأسعار في شهر تموز الماضي، يكلف كيلو البطاطا سبعين سنتاً فقط داخل ايران، مقارنة بأكثر من دولارين ونصف في الولايات المتحدة. يقول سينا آزودي، المستشار لدى مؤسسة دول الخليج للتحليلات: “تعد البطاطا نسبياً بمتناول اليد وتطعم الكل؛ ويريد المسؤولون الايرانيون ضمان عدم مواجهة الأسواق لنقص بالبطاطا لأنها ستتسبب بخلق المزيد من الاستياء في حال ارتفاع الأسعار.”
الطوابير الطويلة لشراء اللحم والتوفر النسبي للبطاطا يبرهنان على تغيير في النظام الغذائي الايراني، بحسب الخبراء. يقول أميراحمدي: “اعتاد الايرانيون على تناول الكثير من لحم البقر، لكنه صار غالي الثمن جداً. حالياً هم يتحوّلون بتزايد ليصيروا نباتيين لأن الخضراوات، مثل البطاطا، أقل تكلفة.” وأظهرت حالة الفيضان المدمر هذا العام حدود قدرات إيران على اعتمادها بشكل كبير على الزراعة المحلية، وعلى محصول واحد تحديداً.
ومن خلال منع الصادرات التي توفر واردات مهمة للغاية، لا تساعد ايران بذلك مؤشرات الاقتصاد الكلي خاصتها. لكن خلال أزمة فاعلة قريبة من حالة حرب، يبقى الوصول المتيسر للبطاطا الرهان الأفضل للحكومة الإيرانية لإبقاء السكان المرهقين من العقوبات الى جانبها، فعلى أقل تقدير، سيعمل هذا المحصول على تجنّب حدوث مجاعة. يقول محمد حاجي رحيمي، استاذ الاقتصاديات الزراعية بجامعة كردستان: “إذا ما استمرت العقوبات، يمكن لانتاج البطاطا لعب دور فاعل في توفير أدنى السعرات الحرارية الأساسية.”
وحتى إذا ما رفعت العقوبات سعر البطاطا داخل البلاد، ستبقى تمثل على الأرجح الخيار الأفضل والأكثر اتاحة للكثير من الناس. يقول كيفان هاريس، استاذ علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا، المتخصص بسياسات الشؤون الاجتماعية الايرانية: “تاريخياً، البطاطا ليست ايرانية، لكنها رخيصة الثمن”.
 
مجلة اوزي الأميركية