الأيام القليلة الماضية أوضحت فعلا أنّنا شعبٌ ليست لديه منطقة وسطى في السياسة على الاقل. فما قيل في الاعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي عن قضية نقل الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي الى وزارة الدفاع أظهر الموضوع في صيغة واحدة لا تتغيّر وهي ما اسميه بقانون جورج بوش الابن: من ليس معنا فهو ضدنا. كم تبدو هذه العبارة بدائيّة وغير متحضّرة. على المنوال نفسه شعرت ان قضية الفريق الساعدي سارت في الاتجاه الذي لن يخدم أحدا. أعني ان ما نسمعه هنا وهناك من أحاديث أدلى بها الفريق المنقول او الحديث الرسمي للحكومة وضعنا من جديد في قالب معادلة رياضية تتحكم بنا جميعا.
واذا عدنا لجدل العقوبات على ايران، ومع من يقف العراق في حالة نشوب مواجهة عسكرية بين البلدين. نجد انفسنا امام فريقين ايضا. فريق يرى ان العراق لا بدَّ ان يلتزم بالعقوبات المفروضة على ايران تفاديا لمزيد من الخسائر. وفريق آخر يرى عدم الالتزام بتلك العقوبات ضد الجارة ايران بحسب وجهة نظرهم. ماذا يعني هذا؟، يعني اما ان نقف الى جانب اميركا او لا نعترف بتلك العقوبات. وهذا ما حصل ايضا في حديث الساعة الذي تحول الى ما يشبه التحدي الكبير بين من يدعم الفريق عبد الوهاب الساعدي ومن يقف مع التوجه الحكومي بنقله الى وزارة الدفاع.
لذا يمكن القول إننا الآن في قلب معادلة الحساب التي تفرض علينا ارقامها. طرف يقف في صف الفريق الذي نقل، وابدى عدم رضاه عن قرار النقل مع انه اقر بجنديته واطاعته للاوامر، وفريق اخر يدعم موقف رئيس الوزراء عبد المهدي الذي اشار صراحة الى ان قرار النقل لا رجعة عنه.
هل نحن أمام تحدٍّ واضح لسلطة الحكومة. من المؤسف بدا الامر كذلك. وما دامت الصورة غير واضحة التفاصيل فإنّ التكهّنات ستذهب بنا شرقا وغربا.
لا أظن أن الفريق الساعدي يفضّل ان يوضع في مكان وكأنه يقف بالضد من قرار يصدره رئيس الوزراء. كما لا اشك في ان عبد المهدي سيفهم ما قاله الساعدي في حواراته الاعلامية على انه رفض لسلطته وهو القائد العام للقوات المسلحة.
ببساطة شديدة علينا ان نفهم روح المقاتل الحقيقي الذي ينجو من الموت في اكثر من معركة. ما يمكن ان نفهمه من كل الذي قاله الساعدي هو ذلك الاعتزاز بعمله الذي لا تقليد فيه. الرجل الذي يقاتل دون ان يكون له غرفة عمليات يقود من خلف جدرانها جنوده. امام هذا الشعور المليء بالحماسة وتجارب الألم التي شاهدها أحسَّ الساعدي بأنّه يقتلع من جذوره.
هذه هي الصورة الخلفية لكل كلماته التي قد تكون ازعجت البعض ممن في الحكومة. وقد يكون قرار النقل أمرا عاديا عند الكثيرين لكنّه ليس كذلك في ذاكرة مقاتل له خبرة الفريق الساعدي. من هنا أقول إنَّ الرجل لم يقصد ان يقف ضد احد لكنه عبر عن عاطفته كمقاتل شعبي وليس كأرستقراطي لو جاز القول.