العاطلون في دول الرفاه

آراء 2019/10/02
...

عدنان أبو زيد
لا تقلق دول أوروبية من شيء، مثل قلقها من ارتفاع معدلات البطالة، حتى إذا تفاقمت أُعلِنت حالة طوارئ، تُستنفَر فيها المؤسسات وخبراء التخطيط ومكاتب العمل والحكومة، من اجل خفض المعدل، بأسرع ما يمكن، لإدراكها انّ لا أمر أخطر من ذلك، فهو حين يستفحل بين الافراد، يهدد استقرار المُجتمع، على الرغم من انّ العاطل عن العمل في دول الرفاه مثل السويد وألمانيا وهولندا والدانمارك، يحصل على معدل دخل كاف، فضلا عن دعم السكن، والتكاليف شبه المجانية للضمان الصحي والاجتماعي.
لا يقتصر عمل الحكومة وأذرعها، ومنظمات العمل المستقلة على إيجاد فرصة عمل جديدة للعاطل، بل تسعى الى إعادة تأهيله من جديد، عبر الدورات الفنية والدراسية، واكمال تحصيله الدراسي، إذا كان معوزا الى ذلك.
ومنذ اليوم الأول لانفصال الفرد عن العمل، تتدفّق عليه الرسائل من البلدية، لبحث فرصة إعادة تأهيله للشغل، إذا كان وضعه الصحي يؤهله الى ذلك.
تُنفق الحكومة أموالا ضخمة من أجل ذلك، فيخضع العاطل الى منهج تدريب واختبار مهارات، وفحوصات نفسية، ويُبحث في أسباب طرده من العمل، أو تركه له، من أجل إعادة زرعه في بيئة توظيف تلائم وضعه النفسي والصحي، وحتى ثقافته الاجتماعية، وفي بعض الأحيان حتى معتقداته الدينية.
لا ينحصر هذا «الدلال» للعاطل عن العمل، على ذلك، فهو طوال فترة مكوثه في البيت يحصل على الراتب الجيد، فضلا عن كل المميزات الأخرى التي يحصل عليها المستمرون في وظائفهم.
وقد وصل الحد في هذا الترف، انّ مجلة ألمانية كشفت في آذار 2018 عن أن العاطلين عن العمل في ألمانيا يحصلون على دخل أكبر من العاملين أنفسهم!. ووفق المجلة فقد تبين، انّ أسرة العاطل عن العمل تدّخر، في بعض الأحيان، فائضا من المال في آخر الشهر، يفوق ما يحصل عليه العامل المسؤول عن عدد أفراد الأسرة نفسه، وبمعدل دخل شهري لا يقل عن 2540 يورو، قبل اقتطاع الضرائب، لتغطية احتياجات أسرة بهذا العدد.
لا غلواء في ذلك، فهذا الامر يحدث في هولندا وفنلندا والسويد، وبقية دول الرفاه، مع عدم نسيان، ان النساء في هذه المجتمعات يقفن على رأس قوة العمالة، إذ يمثلن قوة اقتصادية هائلة الى جانب الرجال.
فضلا عن ذلك كله، فانّ الأطفال يحصلون على رواتب منذ ولادتهم، تصل الى نحو الـ300  يورو للطفل كل شهر، ولك ان تتأمل أسرة عراقية وفدت الى هذه الدول ولديها خمسة أطفال، فكم يكون معدل دخلها؟.
دعونا من الامتيازات، فالحديث يدور عن البطالة، ذلك انّ الشاب الذي يكمل دراسته ولا يجد عملا - وهو أمر نادر الحدوث- يحصل على مدخول بمقدار المخصّص للعاطلين عن العمل أيضا، فلا يعاني من مشاكل حياتية على الإطلاق.
في النتيجة، فانّ القول بانّ هذه الدول توفّر لكل فرد في المجتمع، العيش الكريم، ليس بجديد، ليطلّ السؤال الذي لابد منه: لماذا لا نجد هذا النظام الناجح، على أرض الواقع في بلد يقول عن نفسه، انه غني، مثل العراق؟.
وعلى رغم الوصف الواقعي، بان العاطلين عن العمل في دول الرفاه، «مدللون»، فإنك تجد تظاهرات لهم بين الحين والآخر، ليس لأجل أمر مُلح، بل لزيادة الدخل، او المطالبة بخدمات جديدة.
لا تكفي العواطف والنعوت، والخوالج الفياضة لمعالجة المشكلة، قدر الحاجة الى التخطيط والإدارة الناجحة التي تبني المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية، وتوسّع القطاع الخاص، وتضع القوانين الكفيلة بتعزيز الضمان الاجتماعي وجلب الاستثمار وكل ذلك لن يحدث من دون نمو اقتصادي.