كلام الناس

آراء 2019/10/08
...

عبدالامير المجر 
 
في ثمانينيات القرن الماضي، بثت الاذاعة المصريّة، جلسة لمجلس الشعب، او ندوة، تحدث فيها مختصّون عن هموم البلاد وقتذاك، وقد ذكر احدهم، منبها ضرورة التحسب للمستقبل، قائلا، بالمعنى وليس بالنص، ان نفوس مصر الان تبلغ اربعين مليونا، وستبلغ في العام 2000 نحو ثمانين مليونا او اكثر، مايعني عدم تناسب الثروة الوطنية مع النفوس
 ، وعليه يجب العمل على تحديد النسل، لتفادي هذه المشكلة الكبيرة المقبلة ... لم يحدد النسل في مصر، ولم تزدد الثروة، بسبب غياب المعالجات الضرورية، فكان الاحتقان المتراكم سببا في ثورة شعبية عارمة في العام 2011، اسقطت النظام
، لكنها لم تسقط المشكلة البنيوية العالقة حتى اليوم، كون الحكومات المصرية المتعاقبة فشلت في التصدي لها، لتجد نفسها امام مئة مليون، نفوس مصر اليوم، يرى اغلبهم الحياة، لكنه لم يعشها، كما 
يريد. 
 
رقم صعب 
في العام 2003 بلغ نفوس العراقيين بحدود الثلاثين مليونا، وكان النفط المحظور تصديره، وقتذاك، قد تدفق ليعود للخزينة بعشرات المليارات من الدولارات، انعشت حياة الملايين ممن ايبست  العقوبات الاقتصادية  اجسادهم، وفتحت بابا للأمل باقتصاد واعد. قال مختصون كثر، بان استثمار بعض تلك الاموال بمشاريع تنموية جديدة
، سيكون بداية لعودة العراق رقما صعبا في المعادلة الاقتصادية الاقليمية، وسيجعل شعبه، الاكثر رخاء بين شعوب المنطقة. لكن الذي حصل، هو ان مشاريع جديدة لم تقم، وفي المقابل تم حشو الوزارات والمؤسسات باعداد كبيرة من الموظفين، فائضون عن حاجاتها. لكن الاسوأ من ذلك، ان مصانع صغيرة ومتوسطة، استمرت في العمل ايام الحصار، توقفت بسبب غياب الكهرباء وغرق السوق بالبضائع المستوردة المنافسة، ويقدر عدد المصانع المتوقفة في عموم العراق بسبعة آلاف .. ترافق هذا مع تخرج اعداد كبيرة من الطلبة، بعد ان شجع الوضع الاقتصادي الجديد، الكثير من الطلبة واولياء امورهم على مواصلة دراستهم
، ليجد هؤلاء انفسهم عاطلين عن العمل، بعد ان طووا شهاداتهم وحفظوها في الادراج
، وراحوا يبحثون عن فرص عمل في الشارع، لينتشلوا انفسهم وعوائلهم بعوائد متواضعة، واكثرهم لم يحظ بفرصة مثل هذه، وهكذا تزايدت اعدادهم من دون ان تجد الحكومات المتعاقبة حلا ناجعا لمشكلتهم، كما المشاكل الكثيرة الاخرى، التي توالدت بسبب غياب الرؤية الاقتصادية 
الستراتيجية. 
 
اعادة الحياة للمصانع 
لقد كان امام المسؤولين في المحافظات الوسطى والجنوبية، التي ظلت تتمتع بواقع امني لابأس به، خلال السنين المضطربة، ان تفتح الابواب امام المستثمرين
، لإقامة مصانع ومعامل للمواد الغذائية والسلع المختلفة، من تلك التي لاتحتاج الى طاقة كهربائية كبيرة، وتعيد الحياة لمصانع اخرى توقفت بسبب الحصار، لتستقطب الالاف من العاطلين وتدعم الاقتصاد الوطني، بدلا من خروج العملة الى الخارج بفعل استيراد سلع وبضائع بمليارات الدولارات من دول الجوار. ومعلوم للجميع ان جلب مثل هذه المصانع
، بات امرا يسيرا اليوم بالنسبة للدولة والمستثمرين، اما المصانع الكبيرة، كالحديد والصلب والبتروكيمياويات وغيرها، فكان بالامكان طرحها للاستثمار، ولو لحين استعادة البلاد كامل عافيتها
، مع اشتراط تشغيل الايدي العاملة ذات الخبرة الطويلة في هذه الحقول، لكن اكثر من ستة عشر عاما مرت وتلك المعامل معطلة، ومعها عطلت الاف الكفاءات من الكوادر العليا والوسطى، فتوقفت عجلة التقدم في هذه البلاد التي لايعوزها أي شيء للنهوض، سوى حضور الارادة الحقيقية وغياب الفساد، الذي ظل يعتاش على صفقات الاستيراد التي يعقدها الوزراء والمسؤولون، مثلما عشش في مؤسسات الدولة المختلفة، ليقف حائلا امام تطلعات الناس في حياة ممكنة يستحقونها، فخرجوا للتظاهر من اجلها، بعد ان ضاقت بهم الحيل وانسدت امامهم 
الافاق.