منذ سنوات ونحن نشهد في العراق انطلاق تظاهرات حزبية او جهوية تدعو لها شخصيات او احزاب، فتنطلق تحت قيادة واضحة وتنتهي بأمر من تلك الشخصيات او الجهات وتحسم جميع الامور بينها وبين الحكومة بصفقات سياسية، فتتحول تلك التظاهرات الى مجرد ورقة ضغط تستخدمها جهات معينة ضد جهات أخرى في الحكومة.
أما مايميّز التظاهرات الاخيرة التي انطلقت في بغداد والمحافظات العراقية المختلفة أنّها تظاهرات شعبية لاتقف وراءها ولم تخطط لها جهة او طائفة او حزب او عشيرة، ومتظاهرون تجمعوا تحت خيمة المطالب المشروعة وامنيات لم تتحقق منذ سنوات طويلة، فكانت بمثابة غضبة وانتفاضة وطنية حقيقية تريد تحقيق العدالة والاصلاح في بلد فقدت مؤسساته الكثير من مفاهيم النزاهة والعدالة والمساواة منذ سنوات طويلة. ومن هنا كانت بمثابة حالة انفعالية عفوية إذ لا توجد جهة تتبنى التظاهرات او تقف وراءها.
ومن خلال متابعة المشهد العراقي اليوم يمكن القول بأنّ هذه التظاهرات وضعتنا أمام مفصل تاريخي مهم ووضعت القوى السياسية امام مسؤولية تاريخية واختبار مصيري.
ان الحكومة تعرف المطالب جيدا وعليها ان تسأل نفسها لماذا فشلت الحكومات السابقة في تحقيق مطالب الناس على مدى سنوات طويلة.
وعليها مواجهة الموقف بشجاعة بدلا من إصدار البيانات وإطلاق الوعود كما يحدث في كل مرة.
الجميع يعرف المطالب المشروعة التي يطالب بها المتظاهرون وعندما نحاول فهم اهم الاسباب التي دفعت الناس للتظاهر هذه المرة نجد ان هناك احداثا كثيرة سبقت التظاهرات الاخيرة منها هدم بيوت سكان العشوائيات بدون دراسة مسبقة وبدون توفير البدائل اللائقة، فضلا عن استخدام العنف مع تظاهرات حملة الشهادات العليا والتعامل معهم بطريقة لاتتناسب مع مكانتهم في المجتمعات.
وربما كانت هناك ردود افعال لدى البعض بسبب نقل القائد العسكري عبد الوهاب الساعدي والتعامل مع بطل عراقي له تاريخ مشرف بهذه الطريقة التي لاتخلو
من نكران الجميل.
من هنا شعر المواطن بأنّ صوته غير مسموع وأنّه يفتقد العيش في وطن يحترم الانسان ويراعي مطالبه، فخرج بتظاهرات عفوية صادقة سقط فيها العديد من الشهداء والجرحى من المتظاهرين ومن القوات الامنية، وربما كان السبب سوء ادارة الازمة او تدخل المندسين كما في كل
مرة.
مانريد أن نقوله هنا بأنّ الوضع أخطر من ان نكتفي بالخطابات والوعود وعلى الحكومة ان تتعامل مع المطالب بايجابية وعدالة وحكمة واتخاذ خطوات عملية لمعالجة مشاكل البطالة والسكن والصحة والخدمات وتشريع القوانين الكفيلة بحل تلك
المشاكلات.