دروس التظاهرات

آراء 2019/10/09
...

حسين علي الحمداني
 
التظاهرات العراقية الأخيرة شكّلت منعطفا في الوعي الشعبي وأفرزت جيلا جديدا من الشباب العراقي الذي غرّد خارج إطار سلطة الأحزاب المهيمنة على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا بحد ذاته شكل ما يمكن تسميته الصدمة للسياسيين العراقيين الذين أدركوا أنّ الشارع العراقي يمكنه أن يتحرّك إراديا دون أن ينتظر إشارة بالتحرك من أية جهة حزبية أو دينية. وبذلك فاستقلالية الشارع العراقي هي أهم النتائج والدروس التي برزت في تظاهرات تشرين الحالي. 
وعلينا جميعا أن نمتلك جرأة الشارع العراقي في تشخيص الخلل ووضع المعالجات بحدها الأدنى على الأقل وأبرز مشاكل العراق التي يمكن تشخيصها بسهولة دون الحاجة لتشكيل لجان برلمانية أو وزارية، المشكلة الحقيقية ليست الحكومة الاتحادية وإن كانت تتحمل جزءا من ذلك، لكن الجزء الأكبر يقع على البرلمان بوصفه جهة تشريعية ومجالس المحافظات بوصفها المسؤولة عن توفير الخدمات وحتى فرص العمل للمواطن 
العراقي.
الخلل واضح جدا والمتظاهر العراقي الشاب بعمر 20 – 25 سنة أدرك هذا قبل أن تدركه الحكومة والبرلمان، ومن ثمّ أن إجراءات الحكومة والبرلمان يجب أن تكون بعيدة عمّا يمكن تسميته بامتصاص النقمة عبر إجراءات غايتها إعلامية دون أن يكون لها وقع في حياة الشاب والأسرة 
العراقية.
ويمكننا القول إنّ ما جرى من تظاهرات في سياقها السلمي بعيدا عن حالات الشغب التي حصلت من أشخاص هم أصلا ضد الإصلاح والتغيير سواء عبر مصطلح (المندسين المنظمين) أو غيرها من المسميات، علينا أن ندرك جيدا أنّ الحراك الشعبي العراقي الذي حصل بداية هذا الشهر هو الأكثر قدرة على إحداث التغيير في مسارات العملية السياسية في العراق بحكم أنّ شريحة الشباب هي الأكبر في المجتمع ولها قوة انتخابية كبيرة جدا لا يمكن الاستهانة بها في أقرب ممارسة ديمقراطية تحصل، وهذا ما يعني أنّ على السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تدركا هذا جيدا وتضعان أمامهما حزم إصلاح قوية جدا، تبدأ بضرب الفاسدين وإحالتهم على المحاكم بالسرعة الممكنة، وأن لا تخشى ما يسمى بحيتان الفساد لأنّ هذه الإجراءات مدعومة من الشارع العراقي الذي نجح في فرض إرادته
بقوة.
ونجد أنّ تجميد عمل مجالس المحافظات أولى الخطوات التي تؤدي إلى إصلاحات كبيرة داخل المحافظات خاصة، وأنّ غضب الجماهير العراقية منصب بالدرجة الأولى على هذه المجالس التي تتقاسمها الأحزاب بشكل علني مما أدى لتعطيل الخدمات والمحسوبية في الدرجات الوظيفية الصغيرة منها والكبيرة.
إننا كمتابعين نجد أن هناك فرصة كبيرة أمام الحكومة للمضي قدما في الإصلاح وأن هذه الفرصة المدعومة كما قلنا من الشارع العراقي والمرجعية الدينية وبعض السياسيين من شأنها أن تعيد بعض الثقة المفقودة بين المواطن والمسؤول، وتردم الفجوة القائمة
بينهما.
المواطن العراقي ينتظر أفعالا أكثر مما ينتظر تصريحات وتحليلات سياسية أثبتت أنّها مجرد كلام ليس إلّا.