هل تمتلك القوى السياسيّة ومعها الحكومة العراقيّة الجرأة الكافية لتشخيص الخلل الرئيس في العراق؟ وإذا ما تمكّنت من تشخيصه، هل هي قادرة على المعالجة؟، هذا يعني أنّ الأمر يحتاج إلى جرأة وصراحة بعيدا عن الخطب الجاهزة التي تشبه ما يكتبه التلاميذ في دفاتر التعبير والإنشاء كي ينالوا الدرجات الكافية للنجاح.
المشكلة الرئيسة في العراق هي الفساد الذي جعل الكثير من الناس تطلق على المسؤولين مصطلح (الأغلبية الفاسدة) والحلول التي تبنّتها الحكومة ومعها البرلمان لتجاوز أزمة التظاهرات الشعبيّة الأخيرة هي مجرد حلول وقتيّة لأنّها ركّزت على احتواء الشباب العاطل عن العمل ضمن القوات المسلحة والقوى الأمنية، والجميع يعرف جيدا أنّ هذا الحل لا يتناسب مع خريجي الكليات الذين ينتظرون التعيين كمهندسين ومدرسين وغيرها من الوظائف التي أعدوا لها وينتظرونها. إلى جانب ذلك فإنّ الرغبة في التحصيل العلمي لدى الكثير باتت ضعيفة جدا بحكم النتائج التي تنتظر حملة الشهادات وغياب فرص العمل سواء في القطاع الحكومي أو القطاع الخاص الذي اضمحل وبات خارج نطاق التواجد في سوق العمل العراقية.
وغياب القطاع الخاص في البلد له أسبابه أولها القوانين الطاردة للاستثمار، والجانب الثاني مجالس المحافظات ومسؤولوها الذين يضعون معرقلات جديدة أمام المستثمر سواء الأجنبي أو المحلي، ومن ثمّ تحوّلت هذه المجالس لعنصر سلبي وطارد مما قلّص وجود القطاع الخاص في الكثير من المحافظات العراقية وظلت الناس تنتظر الوظائف الحكومية التي هي الأخرى تخضع لرغبات مجالس المحافظات ويتم تقاسمها بين أعضائه.
لهذا نجد أنّ المواطن العراقي شخّص جزءا كبيرا من الخلل والحكومة أدركت ذلك وإن كان بوقت متأخّر وامتلكت الجرأة في طرح فكرة تجميد أو إلغاء مجالس المحافظات، وفكرة التجميد أقرب لكون إلغاء مجالس المحافظات يحتاج لتعديل دستوري وهو ممكّن بحكم الرفض الشعبي لهذه المجالس رغم تعارض ذلك مع مصالح الأحزاب والقوى السياسية التي تجد بعضها أنّ مجالس المحافظات أفضل من حيث الموارد من الحكومة الاتحادية لهذا تجدها تركّز على هذه المجالس أكثر من تركيزها على وزارات اتحادية وهذا يعكس بالتأكيد أنّ هذه المجالس تعمل للأحزاب أكثر من عملها للشعب. أجد على الحكومة - ومعها البرلمان بوصفه سلطة تشريعية - أن تطرح مسألة تعديل الدستور العراقي منطلقة من نقطة إلغاء مجالس المحافظات وبعض التعديلات الأخرى التي يجد الكثير من المتابعين والمختصّين بالشأن العراقي أنّها مواد وفقرات (حشرت) في الدستور العراقي.
عملية تعديل الدساتير عملية طبيعية جدا تمارسها أغلب دول العالم من أجل المواكبة أولا، وتسهيل العمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي ثانيا، وثالثا منح الدستور روحيّة جديدة قادرة على جعله يتناسب ورغبات الشعب، ورابعا وهو الأهم أنّ مرحلة الوعي الشعبي الآن هي أكثر وأنضج مما كانت عليه عام 2005 وظروف كتابة الدستور والتصويت عليه آنذاك، إذ أنّ جيل الشباب من عمر 20 – 25 وهم الشريحة ألأكبر التي تظاهرت لم يكن لهم رأي في الدستور وهذا يعني ثمة حاجة فعليّة لإجراء تعديلات دستورية.