خمسة أيام من ذهب

آراء 2019/10/14
...

نوزاد حسن
 
 في احدى المرات سأل أحد الفضوليين جحا سؤالا صعبا جدا.ويبدو ان السائل كان يعاني من مشاكل تزعجه كما تزعجنا هذه الايام مشاكل السياسة بكل تعقيدها.لم يكن امام السائل إلا ان يتوجه لجحا صاحب النوادر والاجوبة المضحكة ليساله بالتحديد هذا السؤال: ما هي خلاصة الحكمة؟.
كما قلت ليس هذا السوال سؤالا عاديا.انه بمعنى آخر سؤال سياسي ربما يعكس اجواء الوضع العام لزمن السائل وزمن جحا ايضا.لكن بلباقة كبيرة اعطى جحا سائله جوابا واضحا وحاسما في الوقت نفسه.قال حجا” تناول الطعام الجيد وأدفئ قدميك ولا تفكر بأمور الغد”.
 دعوني اتخيل ان جحا هو شخص معاصر يعيش بيننا ويستخدم كل وسائل التواصل الاجتماعي, ويتابع الفضائيات ويستمع الى السياسيين والنواب والمحللين الامنيين.لنتخيل ان جحا موجود معنا وتوجه اليه احد الصحفيين بالسؤال القديم ذاته عن خلاصة الحكمة.ترى اي جواب يقوله لنا.؟ما هي خلاصة في زمننا.؟ما الذي نبحث عنه كأفراد بسطاء يريدون ان يعيشوا بسلام متنعمين بثروة بلدهم؟
اظن ان اجابة جحا لن تخرج عن هذه الكلمات القليلة” توفير نظام صحي وامني وتعليمي جيد’ والمساواة امام القانون’ واختيار لجان قوية ونزيهة للتحقيق في كل القضايا” 
انا افترض الان ان هذه هي اجابة جحا لو انه كان مواطنا عراقيا يعيش تفاصيل ايامنا بكل صعوبتها.ولا اظن ان هناك اختلافا بين ما قاله جحا الحقيقي لسائله’ وبين ما قاله جحا الذي تخيلته انا.لا فرق بين جحا الماضي وجحا الحاضر.فهناك دائما وفي كل زمن خوف قاتل يسحق الانسان سحقا حين يجد ذلك الانسان نفسه وسط دوامة من الاهمال السياسي.يحس الفرد اذا ما عاش في ظل وضع سياسي قلق انه يتيم بكل معنى الكلمة.اليتم العائلي هو صورة مصغرة لليتم السياسي عندما يقع الواحد منا فريسة بقبضة افكاره التي تدمره لانه بلا سند من السلطة التي تحكمه.ومن خلال تقديم برنامج حكومي كالذي طرحه جحا الذي تخيلته سيكون كل مواطن ابنا شرعيا لدولته لا فردا تائها بلا انتماء لسلطة تدعي انها تمثله من دون ان تكون هناك نتائج على ارض الواقع.وما دمنا نتحدث عن افكار نظرية مثل توفير النظام الصحي والامني والتعليمي وغير ذلك فها هو الوقت قد حان لتحقيق الشرط الثالث من حكمة جحا وهو اختيار لجان قوية نزيهة للتحقيق.وهذا ما اسفر عنه اجتماع مجلس الامن الوطني الذي ترأسه رئيس الوزراء عبد المهدي الذي وجه بتشكيل لجنة عليا برئاسة قيادة العمليات المشتركة وعضوية الجهات ذات العلاقة للتحقيق بحالات الاستشهاد والاصابة في صفوف المتظاهرين ومنتسبي الاجهزة الامنية والاعتداءات على المنشآت والبنى التحتية ووسائل الاعلام على ان تنهي اللجنة عملها خلال خمسة ايام.هل اقول ان الحكومة امام اختبار حقيقي ننتظر جميعا نتائجه التي ستكشف لنا ما نبحث عنه من اسئلة .؟
هناك خمسة ايام من ذهب تفصلنا عن الحقيقة انها اغلى ما نملك لانها ايام كشف الحقيقة.