ليست مبارزة

آراء 2019/10/22
...

نوزاد حسن
 
سمعتُ الكثير عن موعد تظاهرات يوم 25 من هذا الشهر. في دائرتي حيث اعمل، وفي الشارع وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
حديث غامض، وتوقعات عن الذي سيجري في اليوم المشهود، كما اظن اضيفت نكهات غريبة من اقاويل شتى وصلت الى حد ان بدأ الناس يسحبون أموالهم من المصارف، وحديث عن زيادة الضرائب. ولكي افصل خيوط الحقيقة عن الوهم اتصلت بصديق يعمل في دائرة تطلع جيدا على الارقام الضريبية المفروضة ضمن سياقات محددة، واخبرني هذا الصديق ان لا زيادة على الضريبة المعمول بها. وقد لجأت له كي أتأكد من بعض ما اسمعه هنا وهناك من كلام يقال لغرض ما.
أقول ما قلت للوصول الى نقطة مهمة جدا وهي ان يوم الخامس والعشرين ليس يوم منازلة او مبارزة مع سلطة تسعى للقيام ببعض الاصلاحات التي قد نختلف معها، لكن القضية الأهم هي ان التظاهر ليس موعدا محتوما يستهدف قلب نظام الحكم كما يعتقد البعض، وذهابنا الى المجهول، ولا اظن ان أحدا يريد مواجهة الفراغ الدستوري مهما كان تفكير هذا الانسان سطحيا، بل ان المطالبات التي رفعت والتي سترفع تتضمن اجراء اصلاح حقيقي ينهي أولا المحاصصة التي جعلت البلد يتعرّض لكل هذه المآسي التي نشهدها اليوم.
 هناك ملف خطير آخر لا بدّ من معالجته وهو ملف الفساد وما يضم من حيتان. الحكومة بكل مفاصلها تعترف بوجود حيتان كبيرة لا بدّ من مواجهتها. ومرت أعوام دون وقوع اي حوت كبير في مصيدة العدالة، هذا باعتراف الحكومة، ولعل الجميع يتذكر خطاب عبد المهدي الذي القاه امام البرلمان، وكان خطابا حماسيا واعيا قويا في تحديد نقاط الفساد في جسد الدولة الواهن، عشرات الملفات التي تحدث عبد المهدي عنها بصراحة شديدة، لم يبق هناك شبر يخلو من اصابع فاسدة تتلاعب به، عدد الملفات التي اشار اليها عبد المهدي تشعر المواطن بالخوف من الغد في ظل النشاط المحموم لعجلة الفساد الدائرة حتى الان. فهل هناك اختلاف مع المتظاهرين حين يصرخون بانهاء هذا الملف، بسرعة تقنع الجماهير وتجعلهم يثقون بخطوات الحكومة ويساندونها. 
لماذا أقول كلّ ذلك؟، لأنني أريد ان أقلل من مشهد المبارزة الذي بدأ يتضخم، وكأن هناك تحد شرس سيهلك به احد الفريقين. اما المتظاهرون واما الحكومة. لكن هل هذا تفكير صحي لا أعتقد ذلك.
لا احد يزعم ان الوضع العام الذي نعيشه هو هادئ ويسير نحو مزيد من الوضوح. لقد حدثت اخطاء كثيرة كانت المحاصصة سببها الاول. وحين تظاهر جيل من الشبان بهذا الاندفاع الجريء ادركت الحكومة لاول مرة ان هناك لغة جديدة غاضبة لن تهدأ الا باجراء اصلاح حقيقي. لكن السؤال كم يتطلب الاصلاح الحقيقي من وقت في ظل غضب يغلي في قلوب فتية ثائرة؟
أكرر أتمنى ان لا ينزلق الوضع الى ما هو اخطر، اتمنى ان تكون قوات حفظ القانون التي شكلت مؤخرا اكثر انضباطا ودقة في حماية المتظاهرين لأنّ هدفها هذه الحماية.