عبد الحليم الرهيمي
من بين الاتهامات السلبيّة المتجنية التي وجهت الى حركة الاحتجاجات الشعبية السلمية التي انطلقت في الاول من شهر تشرين اول – اكتوبر الحالي، هي أنّها تريد تغيير النظام السياسي واسقاط الدولة العراقية ومؤسساتها والانتقال بالعراق الى الفوضى والمجهول، او العودة المستحيلة الى النظام الدكتاتوري السابق، وهذا الأمر يعني – اذا صح – الانقلاب الجذري على النظام الديمقراطي ومؤسساته واهدافه، والذي تأسس بدءاً من التاسع من نيسان ابريل 2003.
لكن، أي متابع منصف، داخل العراق وخارجه، لمسار الأحداث وقراءة الشعارات والاهداف التي طرحها المحتجون، باستثناء بعض الاصوات الفرديّة النشاز، لا يجد ما يدل أو يشي بذلك.
لقد ركّز المحتجون بالشعارات التي رفعوها والهتافات التي اطلقوها، خلال حركة الاحتجاجات هذه، وحتى قبلها في التظاهرات والاعتصامات المطلبية التي حصلت في بغداد والعديد من المدن والمحافظات لشهور عديدة، ركزوا على المطالبة بتحقيق العدالة بين المواطنين وانفاذ القوانين على الجميع، وتوفير فرص العمل للخريجين وغيرهم من العاطلين واصحاب البسطات التي نثرت على الارصفة والشوارع، وكذلك توفير السكن اللائق بتوزيع الاراضي على المستحقين والفقراء بدلا عن هدم العشوائيات على رؤوس ساكنيها من المواطنين العراقيين، وذلك فضلاً عن الدعوة لمكافحة حقيقية لا اللفظية للفساد وحيتانه و(حرشه) حتى، وكذلك اصلاح النظام الصحي الفاشل، والنظم التعليمي المهترئ فضلاً عن توفير الكرامة والاحترام للمواطنين من اجهزة الدولة، وكذلك انتهاج سياسة خارجية متوازنة تضمن سيادة العراق ومصالحه، وقد ارتفع سقف هذه الشعارات والاهداف الى المطالبة بإقالة الحكومة الحالية، وتشكيل حكومة انتقالية او مؤقتة تمهّد لإجراء انتخابات نزيهة وقانون انتخابي عادل، ومفوضية نزيهة للانتخابات فضلاً عن تنفيذ المادة (142) من الدستور التي تدعو لإجراء تعديلات جوهريّة لبعض مواده.. والى غير ذلك من المطالب التي أقرّ الجميع بمشروعيتها واحقيتها وبالتقصير عن عدم السعي لتحقيقها في السنوات الستة عشرة الماضية.
والسؤال الذي يطرح هنا هو: اين ما يدل على، او يشي، الى مطالبة المحتجين بتلك الحقوق والاهداف، بتغيير النظام السياسي او الانقلاب عليه؟!
والواقع، وخلافاً لرأي من يذهب بتوجيه الاتهام لحركة الاحتجاجات الشعبية السلمية بأنها تريد تغيير النظام السياسي، فإنّ تحقيق هذه الاهداف والشعارات ستعزز وتقوي النظام السياسي الديمقراطي الذي جرى تأسيسه بعد التاسع من نيسان – ابريل 2003 ورحّب به ملايين
العراقيين.
غير أنّ النهج السياسي الخاطئ للقوى السياسية والاحزاب المتنفذه عملت – ابتداءً من إقرار الدستور العام 2005 على تجويف النظام السياسي ونخره من الداخل وحرفه عن المسار الذي أريد له منذ البدء بسبب ذلك النهج السياسي الذي أساء للعملية السياسية الديمقراطية ومسارها والذي اعترف اصحابه صراحة بفشلهم، وهو الفشل الذي أدى بالعملية السياسية الديمقراطية الى التردي والتعفّن الرهيبتين، فبات الإلحاح على الاصلاح والتغيير مطلباً شعبياً بُحَّتْ أصوات الجميع من أجل تغييره.. وبذلك شكل انطلاق حركة الاحتجاجات في الاول من هذا الشهر حداً فاصلاً بين مرحلة تجوّفت وتعفّنت خلالها العملية السياسية بالنهج السياسي الخاطئ ومرحلة تدعو وتهدف الى اعادة الاعتبار للنظام السياسي الديمقراطي الحقيقي لا الى تغييره.
ويعلم الجميع، وفي مقدمتهم المحتجون، ان نيل حقوقهم بل حقوق الشعب العراقي بأسره، وتحقيق مطالبهم، لا يمكن تحقيقها الا بنظام سياسي ديمقراطي حقيقي، وهو النظام السياسي القائم وبمؤسسات الدولة القائمة وذلك في اعقاب النهج السياسي الفاشل المدمر للعراق وشعبه وللعملية السياسية الديمقراطية.
ولان اي نظام دكتاتوري استبدادي او عشائري أو طائفي او ديني سياسي لا يمكنه تحقيق ما يهدف اليه المحتجون، فإنّهم بذلك يصبحون، الاكثر حرصاً والاكثر رغبة واخلاصاً لتعزيز النظام الديمقراطي القائم واعادة الاعتبار له وهو النظام الذي مسخه الفاسدون والفاشلون والذين عجزوا عن تطويره وتعزيزه حيث تتطلع حركة الاحتجاجات وتسعى لتحقيق ذلك، وهو الامر الذي يسقط اتّهام هذه الحركة بأنّها تسعى لتغيير النظام السياسي بينما هي تريد، خلافاً للاتهام، انقاذه وتخليصه من النهج السياسي الذي عمل على مسخه وتجويفه، وأفضى ذلك الى ما نحن عليه
الان!