يختلف مثنى عباس عن غيره من الباعة المتجولين، ممن يرتدون ملابس مهترئة وبالية، ويخفون وجوههم بمناديل رخيصة، متمسكين بهيئة الحرمان والفقر والعوز، إذ يهتم بائع عبوات المياه المتجول، بهندامه وأناقته، ويقف يومياً بجانب رصيف أحد تقاطعات الكرخ ببغداد مرتدياً بنطاله الجينز الناصع بنظافته وقميصه (ماروني) اللون، مصففاً شعره وكأنه على موعد لولا عبواات المياه التي يمسكها بيديه وصناديقها المرصوفة خلفه، فهو يعتقد أن مهنته مثل أي مهنة وإن كانت مختلفة من حيث عدم وجود سقف لمحل يعمل داخله، وان عمله هذا لا يوجب عليه ارتداء ملابس رديئة كي يجمع
قوته.
ويقول، “أنا أعمل ولا أتسول”.
لاحظ عباس الذي لم يتجاوز (24 عاما) من عمره، الاختلاف الواضح من حيث إقبال الناس على الشراء منه بعد تغيير هيئته الخارجية والاهتمام بهندامه، إذ كان كحال غيره من الباعة الذين يهملون أشكالهم ويرتدون ملابس بالية،
فضلا عن شعوره بالخجل من عمله وهو يتجول بين السيارات بعد اضطراره لارتداء عصبة تغطي
وجهه.
ويضيف “ لقد ساعدتني فكرة الاهتمام بمظهري في التغلب على ما أواجه من نظرات الناس، في عدم تقبلهم ولو بشكل سري لظهوري بشكل غير أنيق أو تقليدي، أيضا جعلتني هيئتي أشعر
بالثقة”.
صورة متميزة عن الآخرين
وقد استوحى عباس هذه الخطوة من أحد الفيديوهات المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح ينظر إلى نفسه كأحد باعة التجزئة المتجولين، فهو متعاقد مع بعض المحال المتخصصة بتجهيز المواد الغذائية
بالجملة.
وتهتم هذه المحال كما يقول عباس” بتأمين عبوات المياه المعدنية لباعة التجزئة مقابل أجور يومية تحتسب وفق
المبيعات”.
وتزايد حجم الإقبال على بضاعتي بصورة جيدة، بحسب عباس، وهذا ما دفع بالباعة من حولي إلى أن يكنون لي العداء، وبدأت أشكك من أن الناس يشترون مني وهم بحاجة، حقاً، لعبوات المياه أو هم تعاطفوا مع اهتمامي بملابسي.
ولخطوة التغيير هذه رغم محاسنها لعمل عباس فلديها مساوىء أيضا، فقد أضطر إلى التنقل لأكثر من تقاطع بالنظر إلى حوادث التنمر بسبب عدم إنصياعه إلى قوانين الشارع من جهة، وفي إتسام شكله بالاختلاف عن بقية الباعة من جهة أخرى، الأمر الذي خلق لنفسه صورة متميزة عن
الآخرين، “ أحدهم سألني: لماذا تعمل بهذه المهنة وأنت بهذه الأناقة (الكشخة) هكذا؟، على حد
قوله.
التعامل بطريقة ايجابية
وبدأت هذه الظاهرة بالتوسع بصورة قليلة بعد انتشار فيديو لشاب عراقي يرتدي ملابس النادل ويبيع عبوات المياه كأنه يقدمها داخل مطعم.وتشجع هذه الخطوة بنظر الخبيرة في علم النفس الاجتماعي الدكتورة بشرى الياسري الباعة المتجولين كافة على الاهتمام بمظهرهم الخارجي، وكذلك التخلي عن فكرتهم التقليدية في اهمال هندامهم، وقد يتطور الأمر ليكون لكل مجموعة من الباعة في هذا الشارع أو ذاك الزقاق، لون خاص بملاسهم،
وتعتقد أن الباعة الجوالين، عادة، لا يُلزمون عامة بالكثير من الأمور المتعلقة بالهندام والاناقة، بل وحتى
النظافة.
إذ يرى الكثير من هؤلاء الباعة أن مشكلتهم في هذا الشأن - بحسب الخبيرة - في أنهم لا يستطيعون توفير التكلفة المالية للثياب المناسبة، وتقول إنهم سيتحججون في أن ما يحصلون عليه من البيع لا يشكل مبلغاً كافياً لهذا الأمر، متناسين في أن لكل مهنة اهتمامات لغرض الدعاية
والترغيب.
وتدعم الخبيرة هذه الفكرة، وتقول إن “ اهتمام البائع المتجول بمظهره الخارجي، يجعل عمله أكثر متعة، كما ويتم التعامل معه بطريقة إيجابية، فضلا عن تشجيع الناس على الشراء منه”.