دعاء صيني

آراء 2019/11/05
...

نوزاد حسن
 

إذا أراد الصينيون الدعاء على شخص لايذائه فهم يقولون له: كم نتمنى لو عشت في زمن يقع فيه تحول كبير. وهذه الطريقة الصينية في الدعاء على الآخرين تبدو غريبة بعض الشيء. 
لكن الحقيقة ان اي زمن يقع فيه تحول اجتماعي او سياسي كبير سيترك آثاره على الناس بصورة قوية. ويعني الصينيون أن وجود الانسان اثناء تغير الظرف من وضع الى آخر سيكون تجربة قاسية للانسان. الصيني اذن يعرف جيدا معنى التغير السياسي او الاجتماعي، وما يحمله هذا التغير من ثمن باهظ قد يكون مكلفا جدا على الجميع. 
لو سألت كم مرة وجدت نفسي في دائرة الدعاء الصيني اي كم مرة عشت تجارب صعبة ومريرة تركت في داخلي آلاما لا توصف. لقلت انني عشت تجارب كثيرة ربما كان اقواها هو الحرب العراقية الايرانية.
تلك الحرب التي استمرت ثماني سنوات. وحين انتهت بعد سقوط احد اخوتي في تنورها الحارق شاهدت كيف رقص الناس في الشوارع. ما زلت أتذكر لحظة الرقص العفوي الذي جعل الكل يشعرون بالخلاص من اعوام موت يومية.
بعد ذلك دخلت في تجربة حرب الكويت واحتلالها وما تركته فينا من مشاكل كثيرة كان الحصار احد نتائجها الأكثر تأثيرا. كان الحصار قاسيا وغامضا وكانت لقمة الخبز هدفا بحد ذاته. كنا نركض وراء الرغيف الذي كان مخلوطا بما لا نعرف من مكونات غريبة. 
ليس بودي ان اجرد كل الظروف والصعوبات التي عشناها كشعب ذاق الأمرين من اخطاء سياسية كثيرة. ربما لم يكن الصينيون يعرفون ان اصعب المواقف على الاطلاق حين يواجه متظاهرون سلميون يطالبون بحقوقهم. ثم تتحول مظاهراتهم الى اعتصام ثم الى عصيان مدني كما حدث في تظاهرات اكتوبر الحالي. 
ولعل يوم 25 كان يوما قاسيا امتد للاسبوع الثاني، ورافقه سقوط ضحايا من المتظاهرين، والقوات الامنية، وتعرض بعض دوائر ومؤسسات الدولة الى حرق.
في ظل هذه اللحظة المؤلمة يشعر الانسان بأنّه خائف على وطنه خوفا كبيرا. ومع كل يوم يمر تتعقد احوال الناس اكثر. أفكر كثيرا بنهاية قريبة تُهدّئ الشارع وتفتح أفقا جديدا له. لكن تفكيري اصطدم بمحاولة المتظاهرين بعبور جسر الاحرار إذ سقط جراء هذه المحاولة شهداء وجرحى.
ومع كل ما تقوله السلطة من اصلاحات لا يبدو ان هناك نقاط لقاء مع كل ما تقوم به الحكومة من اجراءات.
أظن أنّ هذه الأزمة هي أخطر ما مر به البلد حتى الان. وعلى الرغم من ان احتلال عصابات داعش لمناطق كثيرة كان له اثر كبير علينا إلّا ان الارادة توحّدت ضدها. وطردت في النهاية الأمر.
لكن هذه المواجهات التي تحدث منذ الاول من اكتوبر وما زالت تدور، وتشمل محافظات جنوبيّة متعددة. تشعر الجميع بأنّهم قلقون من احتمالات لا يعرف أحد أي احتمال سنواجه.
حين يكون الوطن مهدداً بنزاع سياسي داخلي يفقد الانسان قدرته على لمس أي متعة شخصية. يتوقف كل نشاط ويبقى القلق اهم صفة يتمتع بها الناس. القلق في هذه الحالة داء ينتهي بعودة 
السلم.