من زاوية مواطن

آراء 2019/11/09
...

 حسين الذكر
 
يقول العارفون من نخب الزمان والمكان بما صار يشبه القاعدة ان الثورات يقودها ويهيئ لها الفلاسفة والحكماء وينفذها الشجعان والمضحون .. 
فيما - للاسف الشديد - يركبها ويسيطر عليها الانتهازيون 
المتلونون .. هذا له مصداقه في الواقع العراقي الحديث، اذ نعيش احداثه ويومياته بكل جزئياتها ولطالما شاهدنا وتعارفنا وتهامسنا من كثير النماذج السيئة التي كانت تلبس لبوس السلطة وفرعنتها قبل 2003  وبعدها مباشرة راحوا هم واولادهم واقاربهم يتقمصون الوان السلطات والقوة الجديدة وينزعون اقنعتهم القديمة ويعلنون شعاراتهم بكل عواهن سوء الخلق الذي ليس له بديل ولا شبيه في عوالم التشبيه ..من فضل الله بعد الانتهاء من حقبة بريمر السوداء وما تبعها من عواهن الطائفية سيئة الصيت أصبحت مدننا العزيزة في الكاظمية والاعظمية والكرادة وحي 
الجامعة ... 
وغيرها من مدن العاصمة التي كانت في يوم من الايام محاطة بالجدار العازل تحت عنوان طائفي بغيض سموه وفرضوه علينا .. ذهبت واهلي الى حي الجامعة للتبضع والعشاء بعد أسبوع عناء وقد وجدته عامراً زاخراً امناً مستقراً تتطور به المحال والبنى التحتية بما يشرح النفس ونأمل ان يتشح بلونه كل العراق ومدنه العزيزة من شماله الاشم حتى جنوبه الاغر .. فيما كنت انتظر التاكسي مر بي شاب يحمل الاعلام في سيارته فقلت انه ( من شبابنا المتظاهرين ).. فقررت ان اصعد واستمع منه .. فما ان ركبنا حتى بدأ يتحدث عن المطالبة بالحقوق وضرورة 
التغيير.. 
في الوقت الذي تمنيت ان ينصر الله المتظاهرين ويحقق مرادهم في العز والاستقرار والسلام وتحقيق كل المطالب التي تنعكس بالخير على الشعب وان لا يلتف عليها المتلونون ويسرقها لصوص كل زمان 
ومكان ..
وقد سألت الشاب عن سبب تظاهره فقال : ( يا أستاذ انا شاب متزوج ولدي طفل وامي وابي نعيش بشقة مستأجرة باسوأ حال وابي قضى عمره بالدفاع عن العراق وخدم مكلف بالجيش سنوات طوال بلا تقاعد ولا سكن ولا صحة .. وتخرجت من الدراسة فلم اجد عمل فاضطررت ان أكون اجيراً لدى مالك التاكسي .. 
واعطيه نصف تعبي وعرق جبيني و نصفي المتبقي اصرفه على ما يسمى قانون المرور والنقابة وكل المافيات التي تسرق العراقيين بمسميات وعناوين حكومية او اهلية ) . 
فقلت له لك الحق وانت وابوك من اشرف نماذج العراقيين المستحقين للتقاعد والسكن والعيش الكريم .. ثم قانون المرور الذي هو عبارة عن ذبح للسائق بانواع الشفرات الحاقدة على الشعب والمستغلة لقوته وتعبه .. ثم على الدولة قبل تطبيق قانون المرور ان كانت تريد وجه الله فعلاً، فعليها تهيئة الأرضية المناسبة لذلك عبر تبليط الشوارع واستيراد افضل أنواع السيارات واعداد رجال وموظفي مرور يخدمون المهنة لا كروشهم ومصالحهم الشخصية وان يمنحوا السواق منحاً وتسهيلات واجازات السوق العامة للذين يعملون سواقاً ويعيشون من وراء مهنتهم حصراً .. عند ذاك ابتسم وقبلني الشاب وقال .. الله كريم أستاذ لن ارجع حتى يتحقق ما قلت .. لا دون 
ذلك ) .
ضحكت كثيراً حينما شاهدت عمارة شاهقة ما زالت بطور البناء في عز التظاهرات وكنت بمعية صديقي الذي سألته 
مازحاً ..
هل تعتقد ان هذه البناية العملاقة التي ستولد مولاً ضخماً .. يكون صاحبها سائقاً او موظفاً او صحفياً او ممثلاً او بقالاً . فضحك قائلاً : ( اكيد انه قط سمين!!) ..