يجب أن نعترف إننا نمر حالياً في أزمة. لكن هل هي أزمة سياسية فقط حتى نبحث عن حل سياسي لها؟. أم هي أزمة اقتصادية فقط لكي نجد لها حزمة حلول اقتصادية؟ أم هي أزمة سياسية ـ مجتمعية؟ بلاشك تتعدد الإجابات على هذه الأسئلة. فهناك من يراها أزمة نظام سياسي أصبح عمره الآن 16 عاما ولد معه جيل أصبحت أعماره الآن تتراوح بين الـ 16 عاماً والـ 20 أو الـ 25 عاماً في الغالب. وهناك من يرى إنها أزمة اقتصادية قوامها خلل بالخدمات والبنى التحتية التي تراكم فيها الخلل طوال 16عاماً. وطالما الأمر كذلك فإن الجيل الذي ولد مع ولادة هذا النظام وتتراوح أعماره بين 16 عاما الى العشرين أو الخامسة والعشرين تأثر بهذا الخلل الخدمي بينما بات يدرك أن الموازنة السنوية للبلاد تتجاوز الـ 100 مليار
دولار.
ولمن يراها أزمة سياسية ـ مجتمعية فإن أفق حلها يختلف عما إذا كانت مجرد أزمة سياسية أو مجرد أزمة اقتصادية. المهم في الأمر هو تفكيك الأزمة ومحاولة رسم خارطة طريق لكيفية حلها من زوايا واتجاهات مختلفة. وهنا لابد من تحديد الأولويات الضاغطة وهي الخدمات الأساسية التي هي العامل الرئيس في خلق فجوة بين السلطة والشعب. لذلك يجري التركيز كثيراً في الأدبيات السياسية العالمية على مسألة الحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية. ومن هنا فإن الحاجة ماسة الى توظيف الموارد المالية للدولة وهي بالنسبة لبلد مثل العراق وفيرة جداً بشكل صحيح لخدمة
الإنسان.
وحين نقول ان التركة في العراق ثقيلة، بمعنى إنها ليست وليدة اللحظة بل هي في جزء كبير منها تعود الى مرحلة ماقبل سقوط النظام السابق فإن ذلك يستدعي معرفة الأسباب التي أدت الى ذلك وكيفية تجاوزها.
ربما هناك من يقول إنه إذا كانت الحروب الطويلة قبل 2003 وكذلك الحصار كانت عوامل أساسية في عدم تقديم الخدمات الأساسية للناس أو تجديد البنى التحتية وتبديد الموارد المالية فإنه بعد عام 2003 الحجج التي يسوقها الكثيرون تعود الى مسألتين أساسيتين وهما الإرهاب
والفساد.
بالمجمل هذا صحيح ولكن هل نستسلم؟ هل نرمي اللوم على الإرهاب والفساد أم على أنفسنا. وأقصد بذلك الطبقة السياسية بشكل عام التي كلما اندلعت تظاهرات خدمية أو سواها تبدأ بتقليل جزء من امتيازاتها ما يعني أن الامتيازات والرواتب لاتزال عالية بالقياس الى باقي طبقات الشعب. من هنا فإننا بحاجة الى وعي الأزمة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والمجتمعية حتى نتمكن من وضع الحلول الملائمة لها.
فالعراق في النهاية بلد ديمقراطي، وتجربته الديمقراطية لاتزال هي الأفضل بين كل دول المنطقة. كما إنه من البلدان التي تكاد لاتضع قيوداً على حرية التعبير إن كان على مستوى الافراد أو وسائل الإعلام. لذلك فإن حماية هذه التجربة تعد مسؤولية تضامنية يجب أن يقوم بها الجميع الدولة والمجتمع،والطبقة السياسية والنخب. ويبقى الأمر يحتاج الى المزيد من المكاشفة والمصارحة لأنهما السياج الحقيقي الذي يضمن أي جهد ناجح في حل الأزمة والبناء على الحلول الصحيحة مستقبلاً.