جيل التظاهرات

آراء 2019/11/10
...

د. كريم شغيدل
     كل ما أشيع عن وجود مندسين أو مخربين أو عملاء بين المتظاهرين، يكذبه الواقع، وإذا كان هناك نفر ضال، فهو مرصود ومشخص من المجاميع الشبابية التي تعمل كالنحل، هناك شبان يأخذهم الحماس ويطغى عليهم الانفعال أحياناً وهم قلة، فيندفعون لعبور الجسر أو ما شاكل ذلك، بالمقابل هناك تحذيرات متواصلة للحفاظ على سلمية التظاهرات، فمهما حاول البعض تشويه الصورة الحقيقية، هناك على أرض الواقع جمال أخلاقي وسلوكي وإثرة وتسامح ولغة مهذبة في التخاطب وتنظيم تلقائي وتكافل يكشف عن الوجه الحقيقي للعراقيين، بعيداً عن الحماسة والشعارات، ساحة التحرير عراق مصغر فيه مختلف الأطياف، عمل جماعي دؤوب، سواء في إخلاء الشهداء أم في إسعاف الجرحى أو تقديم الخدمات، إذ فجرت هذه التظاهرات الطاقات الإيجابية الكامنة في شبابنا الذين يمثلون النسبة العالية من مجموع السكان، ولو توفرت لهذه الطاقات مناخات ملائمة للدراسة والعمل لأصبحت لدينا أجيال خلاقة ومبدعة ومتميزة وفي أعلى درجات الولاء الوطني.
     أستطيع القول إن وعياً متنامياً يدب في جسد المجتمع، مهما أطلقوا من اتهامات وانتقادات وشائعات ، جيل رافض لكل أشكال العنف والتطرف والطائفية، جيل يؤمن بالحياة وبالإنسان قيمةً عليا، جيل باحث عن وطن حقيقي صالح للعيش بعزة وكرامة، مستعد للتضحية بما يملك من أجل ابتسامة طفل، حتى لو دفع حياته ثمناً، جيل يؤمن بأن الحرية حق وليست استهتاراً بقيم الحياة، أو ثوابت القيم الأخلاقية للمجتمع، جيل لم تعد تنطلي عليه الأكاذيب السياسية التي انطلت علينا، سواء في عهد الدكتاتورية أم في عهد الديمقراطية، وقد أسقط هذا الجيل بوعيه مقولة (لماذا لم تتظاهروا في زمن صدام) أجزم لو أن هذا الجيل كان قد خلق في ذلك العهد الأغبر، لخرج وتظاهر واعتصم وثار من دون خوف أو تردد.
     أنقلها بأمانة وعن تجربة، علينا أن نتعلم من هذا الجيل، وهذا الكلام موجه للطبقة السياسية أولاً ولكل طبقات الشعب، جيل علم سائق (التك تك) الصبي المعدم الذي غادر مقاعد الدراسة ليعيل أسرته أن ينقل المتظاهرين مجاناً ويسارع لنقل الجرحى وإسعافهم ويتعامل مع الآخرين بكل احترام وبمنتهى التهذيب، ويبكي بحرقة لأنه جرح وترك أصحابه الذين يقومون بخدمة المتظاهرين.
 منظر الشموع التي أوقدت لأرواح الشهداء الأبرار، والتي ملأت النفق والساحة كان مهولاً، ودليلاً ساطعاً على سلمية التظاهرات، وعلى الجهات المسؤولة أن تتعامل مع الأغلبية، لا أن تعاقب الجميع لخطأ ارتكبه صبي منفعل، أو لنقل طائشاً، فقنابل الغاز لها مديات يجب أن تراعى، لا أن تلقى من مسافات قريبة فتصبح سلاحاً فتاكاً، فالمتظاهرون في ساحة التحرير تحديداً من خلال مشاهداتنا لم يتجاوزوا على ممتلكات عامة أو خاصة، ولم يحملوا السلاح، والغالبية العظمى منهم تنبذ العنف، وهناك حث متواصل للحفاظ على سلمية التظاهرات، وما يحدث من عنف يذهب ضحيته الأبرياء لهو أمر يحتاج إلى وقفة جادة وإجراءات فورية لوقف النزيف.