حوارٌ وطنيٌّ شاملٌ لإصلاحات بمستوى الأزمة

آراء 2019/11/12
...

زينب عبد الحسين
 
في مناخ الغضب الشعبي الذي اجتاح الشارع العراقي خلال التظاهرات الشعبية التي شهدها العراق في بغداد وعددٍ من المحافظات، والموقف الكلي من العملية السياسية وأقطابها وأحزابها، ضاعت الفوارق بين الجهود والاستجابات التي أبداها مسؤولون حاليون في الدولة العراقية، لا سيما مع تجنب بعض المكونات الخوض فيها، ولأجل وضع الأمور في نصابها من خلال تقييم المواقف السياسيَّة وكيف تعاملت مع الأزمة كما يجب، أمامنا ثلاث مبادرات هي خطاب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب.
رئيس مجلس النواب السيد محمد الحلبوسي كان الأقرب من الجميع للأزمة والسبب أنه تحدث من داخلها، وهو الوحيد الذي قال: إننا منكم ومعكم وأتفهم لغتكم لأنني الأقرب عمراً إليكم، وتجرأ حتى على صلاحياته فتعهد بتقديم حزمة إصلاحات سريعة وتغيير قوانين وأجرى لقاءات مباشرة مع نخبة من المتظاهرين للاستماع الى مطالبهم، والتقى خبراءً في العمل والرعاية الاجتماعية والتعيينات، فضلاً عن جلسة مجلس النواب التي شهدت كثافة في القرارات التصحيحيَّة أدارها الحلبوسي بشجاعة، وجعل الجلسة مفتوحة حتى استجواب رئيس الوزراء الذي لم يحصل ولم تتم الاستجابة له حتى الآن وهو مطلب المتظاهرين.
البروز الواضح للحلبوسي في أزمة هي الأشد في تاريخ العمليَّة السياسيَّة منذ العام 2003 وتفوقه من خلال لغة تناسب الموقف، وزيارته الى ساحة من ساحات التظاهر، إذ إنَّه يعدُّ المسؤول الوحيد الذي وصل الى ساحة التظاهر، أغاظ الغرماء السياسيين، وربما شعر البعض أنَّ الحلبوسي ربما يكون هو رجل المرحلة المقبلة، فالمواصفات العمريَّة والمهنيَّة والإنجازات التي حصلت في عهده أبرزها إعادة الفاعليَّة لمجلس النواب وخطاب الوحدة الوطنية الذي عرفت به لقاءاته وقراراته وتنوع الشرائح التي تعامل بها باحترام وتفهم، كل ذلك يغذي شكوكهم بأنَّ الحلبوسي حتى الآن هو الناجح الوحيد في امتحان الثورة الشبابيَّة الجديدة، رغم أنه هو بنفسه يحمّل نفسه مسؤولية جزءٍ كبيرٍ من الأزمة الواسعة التي شهدتها العمليَّة 
السياسيَّة.
فعمد الكثير من الضعاف وأتباعهم الصغار الى بث إشاعات وأخبار مفبركة تهدف الى التقليل من شأن ما فعل حتى الآن، وأخذت المنشورات المزورة تملأ الصفحات الموبوءة وهي كلها عارية عن الصحة، خصوصاً المنشور الذي يشير الى تعيين الحلبوسي لأكثر من شخصٍ في يومٍ واحدٍ وكل ألقابهم (الحلبوسي) كما ورد في الكتاب، وشكل الكتاب وكثافة تكرار اللقب تكشف ببساطة سذاجة من قاموا بذلك، وأيضاً إنَّ تفسير تحذيره من انحراف التظاهرات الى أعمال الحرق والعنف ليبدو وكأنه يقف ضد التظاهرات وهي محاولة للإيقاع بينه وبين المتظاهرين الذي أعلن مباشرة وقوفه مع مطالبهم كما ذكرنا بداية. هذه الإشارة ليست رداً على ما قيل بقدر ما هو تحليلٌ للظاهرة الحاصلة الآن، وهي لم تؤثر كثيراً لأنَّ نشاط الحلبوسي في احتواء الأزمة قدر المستطاع امتد من الجهود الداخليَّة الى الجهود الخارجيَّة والقصد هنا الأمم المتحدة متجنباً أية مباحثات ثنائيَّة مع دولة أخرى بشأن التظاهرات لحساسيتها ولدعمه وحفاظه شخصياً على استقلال وعراقية التظاهرات كما قال في خطابه الاول الى المتظاهرين، فالأمم المتحدة في جميع الأحوال ستكون معنيَّة بالتحولات والحالات التي يشهدها العراق اليوم خصوصاً أنَّ الموقف وصل الى أقصى حالات التوتر بين الحكومة والمتظاهرين وما أسفر عنه من سقوط ضحايا جراء بعض المواجهات والمخاوف من تطور الموقف بسبب أعمال العنف التي قام بها خارجون عن نطاق سلميَّة التظاهرات.
فجاء لقاء السيد الحلبوسي بالسيدة جنين بلاسخارت ممثلة الأمم المتحدة في العراق بحضور عددٍ من أعضاء مجلس النواب ليبحث الطرفان جانبين مهمين، الإجراءات العاجلة لوضع خارطة طريق للإصلاحات الجذرية للعملية السياسية في البلاد، ومنها التعديلات الدستورية وتوجهات اللجنة المؤقتة المشكلة من قبل مجلس النواب التي قررت أنْ تكون بانعقاد دائم وتوسيع عملها بمشاركة خبراء القانون الدستوري وكل شرائح المجتمع العراقي ونُخبه وممثلين عن
المتظاهرين.
وهو أهم وأبرز أهداف التظاهرات لأنَّ الإصلاح الدستوري سيتفرع منه سيلٌ من الإصلاحات الأساسية مثل نظام الانتخابات وهيكليَّة الدولة وربما النظام السياسي كله، أما الجانب المتصل بالمستقبل القريب فهو الحوار الوطني الذي دعا له هو والسيدة بلاسخارت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة التي قالت إنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، إذ تحرص المبادرة على مشاركة الرئاسات وقادة الكتل السياسية وأطياف المجتمع العراقي والقضاة والاتحادات والنقابات وممثلين عن المتظاهرين بمشاركة الأمم المتحدة وممثليات الدول المعتمدة في العراق، لأجل صياغة حاضرٍ ومستقبلٍ أفضل وحياةٍ كريمة للشعب العراقي.
اتفاق الحلبوسي المبدئي مع الأمم المتحدة بشأن الحوار الوطني يأتي من خلال حزمة الإصلاحات التي طرحها في خطوات تعامله مع الأزمة حتى الآن، ساعياً لإنجازها بشكلٍ تامٍ لمصلحة الشعب العراقي، رغم أنَّ جميع المتناقضات في هذه الأزمة وحدها بحاجة الى جهود استثنائيَّة، فما زال سقف مطالب المتظاهرين عالياً وخطوات الحكومة بطيئة ويجب تفعيلها واتخاذ ما يهدئ الشارع ليتمكن من فرض مطالبه بالحوار المباشر، وفي هذه الحال سيكون الحلبوسي والأمم المتحدة قد ارتفعا الى مستوى مطالب المتظاهرين واستحقاقاتها اللاحقة وأبرزها الكشف عن قتلة المتظاهرين، كما أنهما أسهما في التغييرالمنشود، ومن جانب آخر أنقذا الحالة من احتمالات ومخاوف من أنْ يؤدي استمرار الاحتجاجات الى تجاوز التغيير السياسي والحكومي الى ضرب بنية الدولة العراقيَّة.