السياسة واستثمار الفرص

آراء 2019/11/12
...

د. سعد العبيدي
 
تمر البلدان في بعض الأحيان بمحنٍ وأزمات، يرى المواطنون أو قسمٌ منهم خلالها أنَّ النظام القائم متخلفٌ عن الركب العالمي أو مقيدٌ بضوابط وإجراءات لا تتناسب ووقع التقدم الحضاري أو أنه على خطأ وبحاجة ملحة الى الإصلاح وتغيير نهج المسير، ويرون أي المواطنون أنَّ السبيل الوحيد الى ذلك هو الخروج بتظاهرات لتأمين هذا الإصلاح، وترى أحزاب السياسة المشاركة في الحكم في المقابل أنها على صح وأسلوبها في الإدارة والحكم الملائم وحده لإكمال المسير، وهو القابل وحده الى التطبيق، وبالتالي لا حاجة الى التغيير، وتكون الحكومات في هذه الحالة أو في مثل هكذا تناقض في موقف صعب يحتاج الى قوة دفع عالية للتوفيق بين رغبات المواطنين الساعين الى الإصلاح والتغيير وبين الكتل والأحزاب السياسية (البرلمانية) الساعية الى المحافظة أو البقاء على الوضع القائم وعدم التغيير. هذا وإذا ما تم استعراض وضع العراق القائم في وقتنا الراهن بضوء المعادلة الاجتماعية المذكورة، والعودة بضوئها الى وقع التظاهر والى بعض مطالب المتظاهرين في الإصلاح والتغيير، وتعقيدات الدستور العراقي المليء بعقبات الحيلولة دون إتمام خطوات التعديل، وتركيبة السياسة القائمة على المحاصصة التي تقف أطرافها في خندق الحفاظ على المكاسب التي يهددها التغيير.
غالبية التظاهرات في العراق أو غير العراق، خصوصاً السلميَّة منها توفر فرصاً مناسبة لتكوين ضغوط مناسبة على رجال السياسة الممثلين في البرلمان للتفكير بقبول خطوات التغيير الذي يريدها المواطنون وتحاول الحكومة ترجمتها الى قرارات وقوانين تسعى الى إقرارها قابلة للتطبيق سعياً منها لتنفيذ رؤاها الصحيحة في تلبية حاجات المواطنين والتخلص من مأزق التظاهر الذي لا يعرف مآله في بعض الأحيان.
إنَّ التظاهرات التي حدثت في العراق في وقتنا الراهن، وموقف المرجعيَّة الدينيَّة في النجف الأشرف الداعم لها سلميَّة كون هناك وضعٌ نفسي سياسي ضاغطٌ فسح المجال أمام الحكومة والجمهور للاستثمار وتعديل خط السير، إذ إنَّه وفر للحكومة مجالاً مناسباً للمناورة والخروج من الأزمة وذلك بتلبية المناسب والصحيح من مطالب الجمهور من جهة وأسهم من جهة أخرى في التأثير على الجمهور المتظاهر لأنْ يراجع بعض حساباته ومطالبه وأساليبه في التظاهر وتشجيعه للابتعاد عن التشنج والتخريب وحثه على طرح المطالب القابلة الى التنفيذ.
إنه وضع خاص كانت بعض الحكومات في بعض الدول تدفع بشكل غير مباشر الى حصوله من أجل تكوين الضغط الكافي لتمرير مشاريع وطنية يصعب تمريرها في الظروف الاعتيادية، والعراق في واقع الأمر ليس استثناءً من هذه الحقيقة، وأمام حكومته فرصه مناسبة يمكن استغلالها بغية الإسراع باتجاه إعداد مشاريع قوانين صعب تمريرها من قَبل، مناسبة لتصيح المسيرة والتحرك جدياً لتعديل سبل إدارة الدولة وذلك بتجاوز الروتين القائم وتسهيل عمل الدوائر والحد من وقع الفساد وتلبية حاجة المواطن للعيش الآمن الرغيد.