ثقافة حقوق الإنسان

آراء 2019/11/12
...

زهير كاظم عبود 
 
تضمن الدستور العراقي للعام 2005 نصوصاً دستورية واجبة الالتزام، جميعها مستلٌ من الأديان والمعاهدات الدولية ولوائح حقوق الإنسان، وأفرد الدستور باباً هو الباب الثاني يختصُّ بنصوص الحقوق والحريات (المواد من 14 – 46)، وأكد الدستور أيضاً وقبل هذه النصوص أنَّ السيادة للقانون، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية.
ولا يمكن تقييد ممارسة أيٍ من هذه الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناءً عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية. 
وأضاف للتأكيد على مدى احترام الدستور لنصوص الحقوق والحريات ومبادئ حقوق الإنسان أنْ نصت الفقرة ثانياً من المادة 126 من الدستور على أنه لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الثاني من الدستور (الخاصة بالحقوق والحريات)، وأيضاً ما ورد في الباب الأول (الخاص بالمبادئ الأساسية العامة المختصة بشكل الدولة ووسائل تداول السلطة والثوابت التي اعتبرها المشرع من أسس التشريع)، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءً على موافقة ثلتي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام.
ولعلَّ من أول النواقص التي تعاني منها مفاهيم الحقوق والحريات تكمن في مجال التعريف بهذه الحقوق والحريات، وبذل جهود متواضعة في هذا المجال، ولعلَّ تبني تدريس هذه الحقوق في مراحل دراسيَّة معينة يخلق حالة من الوعي والثقافة التي لم نكن نمارسها أو نتعرف عليها رغم النص عليها دستورياً.
إنَّ نشر البرامج التعليميَّة في الإعلام والمدارس ينعكس إيجاباً على وعي المجتمع أولاً، ومن ثم تبرز في زيادة الوعي المطلوب عند طلاب المدارس وهم بالتأكيد بذور المستقبل للمجتمع العراقي، كما أنَّ التأكيد على المبادئ العامة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وانسجام النصوص القانونية مع تلك المبادئ والاتفاقيات التي يعقدها العراق في هذا المجال، يبرز المضي قدماً في ترسيخ تلك الثقافة بما يتناسب مع مجتمعنا الخارج تواً من خناق الأنظمة الدكتاتورية
والقامعة.
والى جانب ذلك فإنَّ تدريس تلك الحقوق بجميع جوانبها الفلسفيَّة والتاريخيَّة والقانونيَّة يوسع أطر مساحة الثقافة التي نحتاجها في حقوق الإنسان، وليس خافياً على أحد منا ذلك التخلف في فهم الإطار القانوني للحقوق والحريات التي جاء بها الدستور العراقي، وعدم وجود رادعٍ قانوني أو نصوص تعاقب كل من خالف تلك الحقوق والحريات أو وقف بالضد منها أو منع ممارستها بأي شكل من الأشكال.
وتتفرع من المبادئ العامة للحقوق والحريات اتفاقيات دولية يحضر العديد منها العراق، ومن ثم يخلص الى الالتزام بتلك المعاهدات ويتم عرضها على السلطة التشريعيَّة التي تقوم بدورها بالمصادقة عليها لتصبح قانوناً ملزماً ضمن القوانين الوطنيَّة العراقيَّة، غير أننا نلمس ذلك التناقض بين تلك المعاهدات وتلك
النصوص.
ويفترض أنَّ وعي والتزام القوى السياسيَّة في العراق يزيد من كفة الوعي والمعرفة والثقافة داخل المجتمع، بفرض أنَّ هذه المنافذ السياسيَّة تشكل وعياً معرفياً متقدماً، بالإضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه هذه القوى ضمن المجتمع من خلال منظماتها وتجمعاتها المختلفة، والتركيز على ضرورة أنْ يكون هناك إلزامٌ في التطبيق، ومحاسبة عند حصول الخرق، وتلك الأمور لا يمكن لهذه القوى لوحدها أنْ تفعلها وتنشرها وترسخ مفاهيمها داخل المجتمع، ما لم تقترن بمساندة من السلطة التنفيذيَّة وإيمان حقيقي بالمنهج المعتمد في احترام وتبني حقوق الناس وحرياتها، لمنحها المكانة اللائقة بها ضمن المجتمع، وباعتبارها من الضمانات الأساسية التي نص عليها الدستور
العراقي.
إنَّ حالة الوعي في تزايد ونمو مستمرين بالرغم من الانتهاكات والخرق الموازي لهما، ذلك أنَّ إصرار المواطن العراقي على التمسك بهذه الحقوق وممارستها من قبله بشكل علني، يفتح صفحة جديدة، ويشكل أملاً في توسع الوعي وإدراك قيمة هذه الحقوق والحريات في الممارسة السياسيَّة وفي شتى مناحي الحياة الأخرى.
إنَّ مجتمعنا العراقي وهو يخطو خطواته الأولى في اعتماد التطبيق الفعلي لقضية الحقوق والحريات، لم تزل بعض الجهات التنفيذيَّة لا تستوعب أو تفهم معنى هذه الحقوق والحريات، فلم تزل هناك انتهاكات مريرة ومؤلمة في مواجهة تلك الممارسات من جانب السلطة التنفيذيَّة، ولم تزل هناك ممارسات تتناقض مع تلك الحقوق والحريات سببها التجهيل وانعدام ثقافة الحقوق المتفشيَّة في مجتمعنا، وخصوصاً عند أخوتنا من أفراد القوات الأمنيَّة والقوات المسلحة باعتبارهم من أهم أدوات السلطة التنفيذيَّة.
ولهذا فإنَّ الحل لا يكون سحرياً، والقرارات لا تخلق حالة الوعي ما لم تقترن بعقوبات ونصوص قانونيَّة تسري على الجميع، وأنَّ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص.