اليد الخفيَّة

اقتصادية 2019/11/12
...

ثامر اللهيمص 
 
ميت رومني أحد أبرز مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة الأميركيَّة في انتخابات 2012 وكان منافساً للمرشح الآخر جون مكين في الانتخابات التمهيديَّة، رومني كان أحد أثرياء الحزب الجمهوري.
وتقدر ثروته في ذلك الوقت (200 - 250 مليون دولار) ودخله السنوي (21/7 مليون دولار) ويقال حتى إذا أراد رومني أنْ ينفق بسخاء على أسرته وعددٍ من أقاربه، فإنَّ نفقاته ستأخذ جزءاً قليلاً من مدخلاته السنوية، ولكنْ لو قسمت هذه المدخولات بين 500 أسرة وبالتالي أي مدخولات كل أسرة (43400 دولار) فعلياً سوف ينفق هذا المبلغ وبالتالي يؤدي الى ازدهار الاقتصاد، من خلال هذه العينة الواقعية كنموذج لحركة رأس المال يعني أنَّ المال الذي ينفق ينشط الاقتصاد الحقيقي بأركانه الثلاثة: زراعة، صناعة، سياحة ولا يأخذ طريقه للمضاربات المالية أو الى الملاذات الآمنة تهرباً من الضرائب، ليتحول النمط المالي من خلال المضاربات المالية في أسواق المال والإقراض الربوي من المصارف في الساحة الاقتصادية وتنفجر فقاعتها كما حصل عام 2008 والتي يعاني منها الى الآن الاقتصاد الدولي، وقد سبقتها أزمة نمور آسيا.
هذه الظاهرة تنعكسُ مباشرة على الاقتصادات الهشة وخصوصاً الريعيَّة منها، بما ينجم عنها من ركود اقتصادي وانخفاض في أسعار المواد الخام وخصوصاً النفط، فالدول الرأسمالية تمرُّ بهذه الأزمات دورياً، ولعلَّ أبرزها الأزمة المالية والاقتصادية في العام 1929 ليعالجها لهم اللورد كينز بنظريته المشهورة بتدخل الدولة كبديلٍ عن اليد الخفية التي تنظم الاقتصاد أوتوماتيكياً كما يعتقد روادها، ولكنْ تبين أنَّ المصالح الضيقة والأنانيَّة تتغول غالباً في الاقتصادات بأنواعها ماعدا اقتصادات القطاع العام المعقول أو رأسمالية الدولة كما في التجربة الصينيَّة وأغلب الاقتصادات الناهضة الآن في آسيا وافريقيا أو الدول الاسكندنافيَّة، إذ تنظم بيد بيضاء الأمور ببعد نظر لا يباغت الاقتصاد الحقيقي بزراعته وصناعته؛ أي لا توزع الثروات مباشرة بين المقربين على طريقة رومني، إذ تأخذ طريقها الى بوابات الاقتصاد الاعتياديَّة الضامنة للتوازن الطبقي وتكافؤ الفرص، لأن الدولة العادلة ليس لديها يدٌ خفيَّة خارج القانون.
فتجربة الاقتصاد المنفلت كما صممه بريمر ورهطه ترتب عليه أنَّ يده الخفيَّة عملت لتخدم اقتصادات أخرى من خلال التجارة الاستيراديَّة والنزعة الاستهلاكيَّة، ما أورثنا قططاً سماناً تستقطب وتدمر التوازن بين أركان الاقتصاد الحقيقي، إذ تراجع الميزان التجاري وتضاءلت الموازنة الاستثماريَّة لصالح التشغيليَّة وأخواتها، في حين كان الرهان على الاستثماريَّة لمعالجة البنية التحتيَّة.